لمحة عن المسجد الكبير في المهدية
يُعتبر الجامع الكبير في مدينة المهدية معلمًا تاريخيًا بارزًا يقع في مدينة المهدية الساحلية في تونس. تأسس هذا المسجد في القرن الرابع الهجري، وتحديدًا في سنة 304 هـ (916 م)، بأمر من الخليفة الفاطمي عبد الله المهدي، وذلك بعد تأسيس المدينة. يقع المسجد في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة التي كانت تحتضن المدينة القديمة، داخل الأسوار التي شيدتها الخلافة على قاعدة اصطناعية “منتزعة من البحر” حسب وصف الجغرافي الأندلسي البكري. يجسد هذا الصرح المعماري الريادة في العمارة الدينية التي ازدهرت في إفريقيا خلال القرون الأولى من الفتح الإسلامي.
التكوين الهندسي للمسجد الكبير
صُمم المسجد الكبير على شكل مستطيل تبلغ أبعاده 75 مترًا × 55 مترًا، وتحيط به أبراج دائرية. تعمل الأبراج الكبيرة في زوايا المسجد على تجميع مياه الأمطار من الأسطح كخزانات. يُعتقد أنها كانت تتغذى، على الأقل لفترة من الزمن، من قناة مياه كانت تخدم قصر المهدي من مصادر تحت الأرض في ميانش، على بعد ستة كيلومترات من المدينة.
من الملاحظ أن المسجد لم يكن يضم مئذنة. يشتمل على رواق يقع أمام المدخل الرئيسي، يُقال إنه أول ظهور له في العمارة المغاربية. يتناسب هذا الرواق بشكل جمالي مع سقف دائري على شكل حدوة حصان، مع وجود كوات على شكل محراب على جانبيه. تم تزيين المساحات المختلفة من الشرفة بكوات ذات ظهر مستوٍ، وتعتبر هذه الزخرفة سمة أساسية للآثار الفاطمية. يؤدي رواق المدخل إلى فناء محاط بأربعة أروقة مع غرفة في كل زاوية، مدعومة بأعمدة ترتفع من الفناء من كل جانب. ترتكز الأقواس المدببة للرواق الشمالي ببساطة على الأعمدة، بينما تحتوي الأروقة الثلاثة الأخرى على أقواس مستديرة على شكل حدوة حصان وأعمدة ذات تيجان من الرواق الجنوبي الشرقي.
تتكون قاعة الصلاة من تسعة بلاطات وثلاثة أساكيب، ويشكل الصحن المركزي والجناح شكل حرف T. عند تقاطع الصحن والجناح توجد قبة ترتكز على أعمدة متعددة القوالب، بُني تحتها نسخة من محراب القرن الخامس عشر. يتكون هذا المحراب من كوّة ويعلو الكوة طريق مسقوف يحده قوس على شكل حدوة حصان موضوع على أعمدة ركنية صغيرة تضم تيجاناً زيرية.
التطويرات التي طرأت على المسجد الكبير في المهدية
شهد الجامع الكبير في مدينة المهدية العديد من الإضافات والتعديلات على مر العصور. في القرن الحادي عشر، انهارت أجزاء منه في البحر وأعيد بناؤه لاحقًا. وفي عام 1554 م، دُمر المسجد بالكامل تقريبًا، بالإضافة إلى الأسوار التي بُني عليها. في أوائل القرن الثامن عشر، أُعيد بناؤه، وشملت التغييرات التي أُدخلت على الجامع ما يلي:
- بناء قاعة صلاة جديدة.
- إضافة مئذنة قائمة بذاتها على الطراز المغربي الأندلسي (لم تكن موجودة في المسجد الأصلي).
- إنشاء ساحتين تحيطان بالهيكل الرئيسي.
- إضافة فناء ضيق أمام المدخل المواجه للمدينة.