تفسير معنى البيئة
كلمة “البيئة” مشتقة لغوياً من الفعل “بوأ”، وتحمل معاني الاستقرار والحلول والتمكين والرجوع والإقامة. يقال: باء إلى الشيء، أي عاد إليه. والباءة تعني الزواج، لأن الرجل يتمكن من أهله. وأصل الباءة هو المسكن. فالبيئة لغةً هي الحالة والمنزل.
أما اصطلاحاً، فالبيئة هي: جميع العوامل الحيوية والكيميائية والطبيعية التي تؤثر في مجتمع حيوي أو كائن حي. ويُعرفها آخرون بأنها: الموارد الطبيعية من أرض وهواء وماء وحيوان ونبات، خاصةً العينات الممثلة للنظم الطبيعية التي يجب حمايتها لصالح الأجيال القادمة من خلال الإدارة والتخطيط السليم. وفي الاصطلاح العلمي الحديث، تُعرف البيئة بأنها: كل ما يحيط بالإنسان ويؤثر على صحته، بما في ذلك المدينة بشوارعها وأنهارها ومساكنها وشواطئها وآبارها، وكل ما يتناوله الإنسان من طعام وشراب، وما يرتديه من ملابس، بالإضافة إلى العوامل الجوية والكيميائية وغيرها. ووصفها البعض بأنها مجموعة من الأنظمة المتشابكة التي تحدد بقاء الإنسان وتؤثر فيه وتتعامل وفق نظام متكامل ومتوازن ودقيق.
مكانة صيانة البيئة في الشريعة الإسلامية
يشجع الدين الإسلامي المسلمين على رعاية البيئة والحفاظ عليها. يعتبر الإسلام ذلك واجباً دينياً، حيث أمر الله تعالى بالتعامل مع البيئة على أنها ملكية عامة يجب الحفاظ على مكوناتها وثرواتها ومواردها. الأرض وما فيها من نعم هي عطايا من الله تستوجب الشكر والتقدير؛ لكي تستمر وتزيد. أما إذا لم يؤدِ الإنسان واجب الشكر، فقد يكون ذلك سبباً في زوال النعم واضمحلالها.
عندما خلق الله الإنسان، جعله خليفة في الأرض، والأرض أمانة يجب حمايتها. سخر الله الأرض للإنسان لإدراك كل ما يتعلق بحاجاته من زراعة وبناء. تحث السنة النبوية أيضاً على الاهتمام بالبيئة وعدم الإضرار بها بأي شكل من الأشكال، فالضرر في الإسلام منهي عنه بجميع صوره. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإماطة الأذى عن الطريق، والأذى يشمل جميع الأنواع. إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، وجعل من حقوق الطريق كف الأذى. اهتمت السنة بتخضير الأرض والتشجير.
ينبغي على الإنسان أن يراعي الاعتدال والتوسط في التعامل مع الأرض. يركز الإسلام على مبدأ هام وهو قيام الإنسان بعمارة الأرض والسعي في ذلك باجتهاد ونشاط، والتعاون على البر والتقوى، والابتعاد عن إفساد الأرض في تربتها ومائها وهوائها والكون بكل ما فيه. فيما يتعلق بالمياه، تحث السنة النبوية على الحفاظ على الثروة المائية وعدم الإسراف بها، ومن صور ذلك: كراهية الإسراف في الماء عند الوضوء والزيادة عن ثلاث مرات. يجب الحفاظ على الماء من التلوث، وذلك بالنهي عن التبول في الماء الراكد، وكراهية التنفس في الإناء عند الشرب منه، وكراهية الشرب من فم الإناء.
من التوجيهات النبوية المتعلقة بالبيئة عدم احتجاز الأرض، والحث على زراعتها واستصلاح الأراضي الجدباء، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع الأشجار المثمرة.
أدلة من الكتاب والسنة على أهمية حماية البيئة
وردت العديد من الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تشجع على صون البيئة. نذكر بعضاً منها:
-
سخر الله تعالى الكون بما فيه لخدمة الإنسان، ويجب الحفاظ عليه، حيث قال الله سبحانه:
وَما ذَرَأَ لَكُم فِي الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوانُهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ*وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ*وَأَلقى فِي الأَرضِ رَواسِيَ أَن تَميدَ بِكُم وَأَنهارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدونَ
[النحل: 13-15]. -
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً
[رواه مسلم]. -
رُوي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
إنَّ اللهَ تعالى طيبٌ يُحِبُّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يُحِبُّ الكرَمَ، جوَادٌ يُحِبُّ الجودَ، فنظِّفوا أفنيتَكم، ولا تشبَّهوا باليهودِ
.
المكونات الأساسية للبيئة
تحدث القرآن الكريم عن مكونات البيئة، ومنها:
- السماء: ذكرت مئة وعشرين مرة، وهي مصدر الجمال والزينة للأرض، والسقف الذي يحمي الأرض من الأشعة الضارة.
- الأرض: هي البيئة الطبيعية لجميع المخلوقات، وتأتي بثمار عديدة، وتتكون قشرتها من معادن تدخل في حياة الإنسان.
- الماء: أساس الحياة، ويتشكل منه جسم النبات والحيوان والإنسان، ولا توجد حياة أو حضارة بدونه، وهو حق لبني آدم وجميع المخلوقات.
- الهواء: يمتلكه الجميع، وذكر بلفظ الريح والرياح، وهو الهواء المتحرك في جميع الطبقات التي تحيط بالأرض.
- النبات: مصدر الغذاء والأكسجين.
- الحيوان: ذُكر في القرآن، وبعض السور سُميت بأسماء حيوانات، لتنبيه الإنسان إلى أن دراسة المخلوقات قد تقود إلى الإيمان، وهي مسخرة للإنسان وفيها منافع.
من خلال هذه المكونات تتضح حقائق عديدة، منها: أن أصل هذه المكونات طاهرة ومباركة ونقية، وخلقها الله لمنفعة الإنسان، وعلى الإنسان أن يشكر الله عليها، لأن التكبر قد يكون سبباً للعذاب كما حصل مع الأقوام السابقة.