أهمية تلاوة القرآن
تلاوة القرآن الكريم تعتبر من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه. أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بتلاوة القرآن وتدبره، كما جاء في سورة المزمل: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا). وقد وعد الله قارئ القرآن بالأجر العظيم والرفعة في الدنيا والآخرة. فقراءة القرآن سبب لنزول الرحمة والسكينة وحضور الملائكة، والشيطان يفر من البيوت التي يُقرأ فيها القرآن. تسعى النساء المسلمات لتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ولكن قد تعيق بعض الظروف، مثل الحيض والنفاس، ممارسة بعض العبادات. فهل الحيض والنفاس يمنعان المرأة من تلاوة القرآن؟
رأي الشرع في قراءة القرآن للحائض
قراءة القرآن عبادة عظيمة لها أحكامها وشروطها وآدابها التي يجب مراعاتها. وقد بحث العلماء هذه المسائل بتفصيل، مستندين إلى الأدلة الشرعية والعقلية. يهدف كل عالم، باختلاف مذاهبه، إلى الوصول إلى مراد الله تعالى في هذه المسألة.
العلماء الذين منعوا قراءة الحائض للقرآن: وجهات نظرهم
ذهب فريق من العلماء إلى عدم جواز قراءة الحائض للقرآن الكريم، وفيما يلي تفصيل لآرائهم وأدلتهم:
جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية الأربعة يرون تحريم قراءة القرآن للحائض، سواء كان مع مس المصحف أم لا. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:
- قول الله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). وقد فسر العديد من العلماء هذه الآية بأنها تعني: لا يمس المصحف إلا الطاهر من الجنابة أو الحدث. ويؤكد هذا المعنى الحديث الشريف عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (أنّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نَهى أنْ يُسافَرَ بالقُرآنِ إلى أرْضِ العَدُوِّ). وقد قاسوا الحيض على الجنابة في هذا الحكم.
- ما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يمسَّ القرآنَ إلا طاهرٌ). وقد تلقى أهل العلم هذا الحديث بالقبول والعمل.
- أقوال الصحابة في نهي الحائض عن تلاوة القرآن أو مس المصحف بلغت حد الشهرة، وأقوالهم في هذه المسألة لها حكم الرفع، وقد اشتهر هذا أيضًا عند التابعين حتى كاد يحصل به الإجماع.
يجوز للحائض أن تقرأ أذكار القرآن بنية الذكر، مثل قولها عند المصيبة: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، أو كدعاء الركوب: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)، بشرط أن يكون ذلك بنية الذكر وليس بنية قراءة القرآن.
يجيز المذهب المالكي للمرأة الحائض قراءة القرآن لضرورة التعليم، سواء كانت معلمة أو متعلمة.
العلماء الذين أجازوا قراءة الحائض للقرآن: وجهات نظرهم
ذهب ابن تيمية -رحمه الله-، موافقًا بذلك قولًا في المذهب الحنبلي، إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، بشرط عدم مس المصحف، وأن تقرأه من حفظها. وقد استند أنصار هذا الرأي إلى الأدلة التالية:
- لم يرد في القرآن أو السنة نص صريح وصحيح ينهى عن قراءة الحائض للقرآن.
- إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينه أحدًا من النساء في زمنه عن القراءة حال الحيض، ومعلوم أنهن كن يقرأن القرآن.
- لا يصح الاستناد إلى حديث: (الحائضُ والجنُبُ لا يقرآنِ منَ القرآنِ شيئًا)؛ لكونه حديث معلول، لا يُقام عليه حكم.
يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من تفسير، شريطة أن يكون كلام التفسير أكثر من النص القرآني، ويجوز لها مسه كذلك، أو من الأجهزة الإلكترونية؛ لأنها لا تعد مصحفًا ولا تسمى به، والمنع خاص بالمصحف دون غيره.
إذا منعت الحائض من القراءة، فقد لا تتمكن من تعويض ما فاتها بعد انتهاء حيضها، وربما نسيت شيئًا مما كانت حفظته.
إن قياس الحائض على الجنب في المنع من القراءة هو قياس مع الفارق.
أخلاقيات تلاوة القرآن
لتلاوة القرآن آداب ينبغي للمسلم مراعاتها عند قراءته، ومن أهمها:
- استحضار الإخلاص لله تعالى في التلاوة، وتذكر أن القارئ يناجي ربه عز وجل.
- يستحب للمسلم أن يستاك قبل الشروع في التلاوة.
- استحباب اختيار مكان مناسب للتلاوة، كالمسجد؛ فهو مكان طاهر وشريف.
- استحباب استقبال القبلة، والتخشع والوقار، والتدبر في معاني القرآن.
- البدء بالاستعاذة، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
- الحرص على قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة، باستثناء سورة التوبة.
- الحرص على الترتيل، كما جاء في قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)؛ فإنه أخشع للقلب، والابتعاد عن السرعة في القراءة.
- إذا مر القارئ بآية فيها عذاب، يستحب أن يستعيذ بالله منه، وإذا مر بآية تنزيه، نزه ربه بما أثر من أذكار التنزيه.
- اجتناب الضحك والمزاح أثناء القراءة، وعدم قطع التلاوة للحديث إلا لضرورة.
- الحذر من كثرة الالتفات؛ فإنها تشتت الذهن.
- قراءة القرآن من المصحف أفضل من قراءته غيبًا؛ فالنظر في المصحف عبادة.