إضاءات حول قوله تعالى: “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم”

تحليل وتفسير لآية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم…) في سورة آل عمران، مع استعراض سبب نزولها وأبرز الدلالات المستفادة منها.

مقدمة

تعتبر الآيات القرآنية الكريمة منارًا يهدي العباد إلى طريق الحق والرشاد، وتحمل في طياتها معاني عظيمة ودلالات عميقة تستحق التدبر والتأمل. ومن بين هذه الآيات، قول الله -تعالى- في سورة آل عمران:

“فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ” (آل عمران: 195).

تهدف هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على هذه الآية الكريمة، وتفسير معانيها، واستخلاص الفوائد والعبر المستنبطة منها.

توضيحات في معنى الآية الكريمة

روي أن أم سلمة -رضي الله عنها- سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عدم ذكر النساء في الهجرة، فأنزل الله هذه الآية الكريمة، مبينًا فضله وعدله. والآية الكريمة تحمل بشارة عظيمة للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء، حيث يؤكد الله -عز وجل- أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، سواء كان ذكراً أو أنثى.

يشير الإمام السعدي رحمه الله إلى أن الله استجاب لدعائهم بنوعيه، دعاء العبادة ودعاء المسألة، وأخبرهم بأنه لن يحرمهم أجر أعمالهم الصالحة. وسيجازيهم عليها الجزاء الأوفى.

وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى “بعضكم من بعض”، فمنهم من قال أنهم متحدون في الدين والموالاة والنصرة. وقيل أيضاً أنهم سواء في الحكم والثواب. وذكر أيضاً أنهم جميعًا من ذرية آدم وحواء. ويفسر السعدي هذا الجزء من الآية بأنهم متساوون في الجزاء العادل من الثواب والعقاب. فالذين جمعوا بين الإيمان والهجرة وتركوا ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله وجاهدوا في سبيله.

سيغفر الله ذنوبهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، جزاءً من عنده، فهو سبحانه الذي يمنح الثواب الجزيل على العمل القليل. (والله عنده حسن الثواب) فثوابه وجنانه لا يحيط بها وصف، ولم ترها عين ولا سمعت بها أذن ولا خطر على قلب بشر. فمن أراد هذا الثواب العظيم فعليه بالاجتهاد في طاعة الله والعمل بما يرضيه والتقرب إليه بكل ما يستطيع.

ارتباط الآية بما سبقها من آيات

تأتي هذه الآية الكريمة عقب آيات تتحدث عن صفات أولي الألباب، الذين يكثرون من ذكر الله ويتفكرون في خلقه، ويدعون ربهم ليقيهم عذاب النار في الآخرة.

فتبين هذه الآية أن الله -تعالى- استجاب لدعاء هؤلاء العباد المخلصين، وأن جميع أعمالهم محفوظة ومكتوبة، سواء كانت قليلة أم كثيرة، وسواء صدرت من ذكر أم أنثى. فليس هناك تفريق بينهم في الثواب وإجابة الدعاء، مثلما لا يوجد تفريق في دخولهم للإسلام وهجرتهم وجهادهم في سبيله.

الدروس المستفادة من الآية

تحمل هذه الآية العديد من الفوائد والعبر، من أبرزها:

  1. الإيمان هو أعظم عمل يتقرب به العبد إلى الله، ثم الهجرة في سبيله، ثم الجهاد لنصرة دينه.
  2. للمرأة نصيب من ثواب الجهاد بحسب مشاركتها فيه، وهي مساوية للرجل في ثواب الإيمان والهجرة.
  3. عظمة الثواب دليل على عظمة المانح وهو الله سبحانه وتعالى.
  4. الإلحاح في الدعاء وتكراره، والتوسل إلى الله باسم “ربنا”، من أسباب استجابة الدعاء بإذن الله.

المراجع

  • سورة آل عمران، الآية 195.
  • الطبري، أبو جعفر، كتاب تفسير الطبري.
  • عبد الرحمن السعدي، كتاب تفسير السعدي.
  • ابن الجوزي، كتاب زاد المسير في علم التفسير.
  • “سُورَةُ آل عِمْرانَ”، الدرر السنية.
  • ابن عاشور، كتاب التحرير والتنوير.
  • ابن عثيمين، كتاب تفسير العثيمين: آل عمران.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

معاني ودلالات الآية الكريمة: (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا)

المقال التالي

معاني ودلالات الآية الكريمة: “فاستجبنا له ونجيناه من الغم”

مقالات مشابهة