إرشادات حول تلاوة القرآن أثناء الحيض

استكشاف آراء المذاهب الفقهية الأربعة حول حكم قراءة القرآن للمرأة أثناء فترة الحيض. يشمل ذلك وجهة نظر الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، مع التركيز على الأدلة والاستثناءات المتاحة.

مقدمة

تعتبر تلاوة القرآن الكريم من أجلّ العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل. وبالنسبة للمرأة، يثور تساؤل حول جواز قراءة القرآن أثناء فترة الحيض. هذا المقال يسعى لتوضيح هذه المسألة بالاستناد إلى آراء المذاهب الفقهية الأربعة، مع ذكر الأدلة التي استند إليها كل مذهب. من الجدير بالذكر أن قراءة القرآن بعد انتهاء الحيض أمر جائز ولا خلاف فيه، شرط أن تكون المرأة على طهارة من الحدث الأكبر.

رأي المذهب الحنفي

يرى فقهاء المذهب الحنفي عدم جواز قراءة القرآن للمرأة الحائض أثناء فترة الحيض. يستندون في ذلك إلى حديث رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“لا تقرأ الحائض، ولا الجنب شيئا من القرآن”.
مع العلم أن هذا الحديث قد ضعفه بعض المحدثين. ومع ذلك، يجيز الحنفية للمرأة الحائض الذكر بغير القرآن، مثل قول “الحمد لله” أو التسبيح والتهليل، وذلك لعجزها عن تحصيل الطهارة.

كما يجيزون لها قراءة ما دون الآية بنية الذكر لا بنية التلاوة. وقيل أيضاً بجواز القراءة بالقلب دون التلفظ أو الاستماع إلى قارئ آخر إذا خشيت نسيان ما تحفظه.

رأي المذهب المالكي

يوجد في المذهب المالكي روايتان حول هذه المسألة. الرواية الأولى تمنع الحائض من قراءة القرآن، بينما تجيز الرواية الثانية ذلك إذا خشيت نسيان ما تحفظه من القرآن. وفي هذه الحالة، يجوز لها القراءة دون مس المصحف، أو أن يمسكه شخص آخر وتقرأ منه. استدلوا على ذلك بما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ القرآن دون أن تمسه، وكان غيرها يمسكه وهي تنظر فيه وتقرأ.

كما يفرق المالكية بين الحائض والجنب، فالجنب قادر على الاغتسال مباشرة وقراءة القرآن، بينما الحائض لا تستطيع رفع الحدث عنها إلا بعد انتهاء فترة الحيض التي قد تطول. إضافة إلى ذلك، قد تكون المرأة معلمة للقرآن، ومنعها من القراءة يؤدي إلى انقطاع عملها.

رأي المذهب الشافعي

يحرم المذهب الشافعي على الحائض قراءة القرآن، وهو القول المشهور في المذهب. وقد قال به كثير من الصحابة والتابعين. ويرد الشافعية على استدلال المالكية بفعل السيدة عائشة بأن كثيراً من الصحابة خالفوا هذا الفعل.

كما يرون أن الخوف من نسيان القرآن خلال فترة الحيض نادر الحدوث، وأن مدة الحيض غالباً ما تتراوح بين ثلاثة وسبعة أيام، ويمكن للمرأة خلالها إمرار القرآن على قلبها دون التلفظ به، أو النظر في المصحف دون مسه. وبالنسبة للمعلمة، يمكنها إنابة غيرها للتعليم. ويجوز للحائض التسبيح والتهليل والتحميد دون التلفظ بآيات قرآنية.

رأي المذهب الحنبلي

يتبنى المذهب الحنبلي قاعدة عامة مفادها أن من لزمه الغسل يحرم عليه قراءة القرآن. وبناءً على ذلك، يمنع الحنابلة الحائض منعاً مطلقاً من قراءة أي شيء من القرآن. فلا يجوز لها قراءة آية، ويجوز لها ما دون الآية إذا كان القصد الذكر وليس التلاوة. كما يجوز لها القراءة بالقلب دون التلفظ، والنظر في المصحف دون مسه.

واستدلوا على التحريم بحديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقرئهم القرآن ما لم يكن جنباً. ويرون أن الحائض كالجنب لأنه يلزمها الاغتسال، وبالتالي تحرم عليها القراءة.

خلاصة

يتضح من خلال استعراض آراء المذاهب الفقهية الأربعة وجود اختلاف في وجهات النظر حول حكم قراءة القرآن للمرأة الحائض. فبينما يمنع الحنفية والشافعية والحنابلة القراءة، يجيزها المالكية بشروط معينة، خاصة إذا خشيت المرأة نسيان ما تحفظه من القرآن. وعلى المرأة أن تتبع المذهب الذي تراه أقرب إلى الصواب، مع الأخذ في الاعتبار الأدلة التي استند إليها كل مذهب.

والله أعلم.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحكام وتوجيهات حول قراءة القرآن الكريم

المقال التالي

الانتفاع بالقرآن الكريم: قراءة القرآن على الماء والاغتسال به

مقالات مشابهة