إخراج كفارة الصيام بالنيابة عن شخص آخر: نظرة فقهية

استكشاف حكم إخراج كفارة الصيام عن الغير، وشروطها، وفدية الصيام. دليل شامل ومفصل مع الأدلة الشرعية.

مقدمة

الصيام هو أحد أركان الإسلام، وقد تحدثت الشريعة الإسلامية عن أحكامه تفصيلاً. ومن بين هذه الأحكام، قضية الكفارة والفدية المتعلقة بالصيام. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل مسألة إخراج كفارة الصيام أو فديته عن شخص آخر، مع بيان الأدلة الشرعية التي تدعم ذلك، والشروط التي يجب توافرها لضمان صحة هذا الإخراج.

تعريف كفارة الصيام

الكفارة تجب في حالة معينة عند جمهور العلماء، وهي حصول الجماع الكامل بين الزوجين عمداً في نهار رمضان. أما الإفطار بالأكل أو الشرب عن عمد فلا يوجب الكفارة، بل يوجب القضاء فقط. وكفارة الإفطار بالجماع في نهار رمضان هي:

  1. عتق رقبة.
  2. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
  3. فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً.

إذا تأملنا الخيارات الثلاثة للكفارة، نجد أن اثنين منها يتمان بدفع المال؛ وهما: عتق الرقبة (لأنها مما يتقوم بالمال)، أو إطعام ستين مسكيناً. ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-:

“بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا.”
قَالَ:(فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -والعَرَقُ المِكْتَلُ-).
قَالَ:(أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا – يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ). [رواه البخاري]

حكم إمكانية دفع الكفارة عن شخص آخر

الحديث السابق يعتبر أصلاً في أحكام كفارة الصيام، ويحمل فوائد جمة ودلالات فقهية واسعة. من بين هذه الفوائد، جواز دفع الكفارة عن شخص آخر. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرجل بأن ينتظر مالاً من الصدقة، وعندما أتى المال أمره بأخذه ودفع الكفارة.

الدفع بالوكالة: تفصيل فقهي

يعتبر دفع الكفارة عن شخص آخر جائزاً، سواء كان المال وتوزيعه من شخص غير الذي ارتكب موجب الكفارة (الجماع في رمضان)، أو كان المال من غير مرتكب الإفطار وتوزيع المال على الفقراء يتم عن طريق المفطر. في كلتا الحالتين، الأمر جائز ولا حرج فيه.

وقد سُئِل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن رجل دفع الكفارة عن أمه، فأجاب: “نعم إذا وجب على أحد كفارة وكفر عنه أحد بإذنه فلا بأس؛ لأنه يكون كالوكيل له، والوكيل في دفع الكفارات، وفي دفع الصدقات وكالته نافذة وصحيحة، وسواء أخرج الكفارة من مال والدته، أو من ماله هو”.

يتضح من هذا أن دافع الكفارة إذا كان غير مرتكب موجبها، فإنه يكون وكيلاً عن مرتكب موجب الكفارة بالجماع. وبالتالي، تكون المسألة وكالة في أمر جائز. ويجوز أيضاً للمفطر بالجماع أن يعطي المال لغيره ويوكله بإطعام ستين مسكيناً.

هام جداً: لا يجوز إخراج الكفارة عن الغير إلا بإذن من وجبت عليه الكفارة؛ لأنها عبادة ولا تصح إلا بنية صاحبها. لذا، يجب الحصول على إذن صاحب الكفارة لتصحيح نيته.

إخراج فدية الصيام عن الغير

كما يجوز دفع كفارة الصيام عن شخص آخر، يجوز كذلك دفع فدية الصيام عن الآخر. الفدية هي ما يجب على العاجز عن الصيام دفعه، وهي إطعام مسكين واحد عن كل يوم أفطره من أيام رمضان. ويجوز لأي شخص أن يخرجها عن غيره تبرعاً وتطوعاً، وذلك بإذن من وجبت عليه الفدية؛ لأنها عبادة وتحتاج إلى النية.

ملخص واستنتاجات

في الختام، يمكن القول أن الشريعة الإسلامية قد يسرت في أحكام الكفارة والفدية المتعلقة بالصيام، وأجازت إخراجها عن الغير بشروط محددة تضمن صحة العبادة وتحقيق مقاصد الشريعة. الأهم هو الإخلاص في النية والإذن من صاحب الحق لضمان قبول العمل.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

إخراج زكاة الفطر عبر الإنترنت: نظرة فقهية

المقال التالي

هل يجوز إعطاء كفارة الصيام للأقارب؟

مقالات مشابهة