إجلال الإنسان في المنظور الإسلامي

استكشاف مفهوم تكريم الإنسان في الإسلام. مظاهر تكريم الله لآدم ولبني آدم، وكيف يحافظ الإنسان على كرامته، وتكريم الإسلام لغير المسلمين.

تجلّيات تقدير الله للإنسان

أوضح الإمام ابن كثير معنى الإكرام الإلهي للإنسان قائلاً: “إنّ إكرام الله للإنسان يتجلى في صنعه بأبهى الصور وأتمّها، ومنحه السمع والبصر والفؤاد، ليدرك بها وينتفع، ويميز بين الأشياء، ويعرف منافعها ومضارها في أمور الدين والدنيا”. فالله -جلّ وعلا- خلق كل شيء بحكمة، وأتقن كل ما خلق، ومن ذلك الإنسان الذي فضّله الله -عز وجل- لمكانته بين المخلوقات، ومسؤوليته في الحياة. وقد ذكر الله -عز وجل- هذا الإكرام الإلهي للإنسان وتفضيله على كثير من الخلق في آيات عدة، منها قوله تعالى:

(وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا).

تظهر هذه الآية الكريمة تفضيل الله عز وجل لبني آدم على كثير من المخلوقات الأخرى، مما يدل على عظمة هذه النعمة وأهمية شكر الله عليها.

أوجه إكرام الله لآدم عليه السلام

بيّن الله -سبحانه وتعالى- تجلّيات تكريمه لنبيّه آدم -عليه السلام- في القرآن الكريم، ومن هذه التجليات:

  • خلق الله -عز وجل- نبيه آدم -عليه السلام- بيده، وهذا دليل على تميّز هذا المخلوق وأهميته.
  • إتمام الله -عز وجل- لفطرة نبيه آدم عليه السلام، وهذا الإتمام يعني خلقه في أحسن صورة، وهذا من باب التكريم له.
  • نَفَخَ الله -عز وجل- من روحه لخلق نبيه آدم عليه السلام، ودليل ذلك قوله تعالى في سياق خلق آدم: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي).
  • أمر الله -سبحانه- الملائكة بالسجود لنبيه آدم عليه السلام سجود إجلال، وما في سجود هذه المخلوقات الطاهرة له من إشارة إلى أنهم جنود سيخدمون الكون، يُعدّ كذلك خدمة للإنسان ليتمكن من عبادة الله تعالى.
  • هيّأ الله -سبحانه- نبيه آدم -عليه السلام- لتلقّي العلم الضروري؛ وذلك ليقوم بمهمة الاستخلاف التي خُلِق من أجلها، فأكرمه بالعقل والقلب والفؤاد؛ ليتمَّكن من تلقّي هذه المعلومات.
  • منح الله -عز وجل- نبيه آدم -عليه السلام- الحرية والاختيار الضروريّان ليتمكن من قيامه بمسؤولياته، فجعل له العقل الذي يميّز به بين الأمر الصالح والأمر الفاسد، ويميز بين الطيبات والخبائث، وبذلك يفرق عن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويتميز عن الشياطين المصدودون عن عبادته سبحانه.
  • عَلَّمَ الله -عز وجل- نبيه آدم -عليه السلام- طريقة إصلاح الخطأ، وذلك يكون بالاستغفار والتوبة التي تعيد المخطئ إلى ربه مكرّماً، فالحسنات يذهبن السيئات.
  • استخلف الله -عز وجل- نبيه آدم -عليه السلام- في الأرض ليقوم بمهمة عمارتها.

أوجه إكرام الله لبني آدم

إنّ إكرام الله -عز وجل- لآدم هو تكريم لبني آدم، إذ إن الله قال: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ)، وذلك إشعار بأنهم أبناء المخلوق الأوّل صاحب موقع النبوّة والرسالة، وموقع السيد بين كائنات متعددة خُلِقَت لأجله، وهو خُلِق من أجل العبادة. وفيما يأتي بيان بعض مظاهر هذا الإكرام لبني آدم:

  • خلق الله مخلوقات الأرض جميعها لخدمة بني آدم، ودليل ذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا).
  • تسخير كل ما في الكون لخدمة بني آدم، وقد ذُكِرَ في القرآن الكريم العديد من أشكال التسخير؛ كتسخير الشمس والقمر، والليل والنهار، والحيوانات والنباتات، وهذا التسخير نعمة من الله تعالى، وعلى الإنسان أن يشكرها ويسخّرها للقيام بالمهمة التي خُلِقَ من أجلها؛ ألا وهي عبادة الله، والاستخلاف في الأرض.
  • نزول الهدى من الله -عز وجل- لبني آدم، فنزول الهدى الربّاني والمنهج القرآني من شأنه أن يحافظ على التكريم الإنساني الأول، وعلى الفطرة السليمة التي خُلِقَ عليها.

ويبدو أن من حكمة الله -عز وجل- في تكريم بني آدم أنهم هم الذين قبلوا بالقيام بحمل الأمانة، بعد أن عرضها الله -سبحانه وتعالى- على السموات والأرض والجبال، فأَبَينَّ أن يحملنها وأشفقن منها، فأكرمه الله -عز وجل- وفضَّله على كثير من المخلوقات ليتمكّن من القيام بهذه المهمة التي تعدّ تكليفاً وامتثالاً لأوامر الله -عز وجل- واجتناب نواهيه، فكان من مقتضى حمل بني آدم للأمانة أن جعل الله فيهم صفوة خلقه من الأنبياء والصادقين والشهداء، ليتمكّنوا من القيام بأمر الله والدعوة إليه.

احترام الإنسان لذاته

ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يعيش عزيزًا، لأن الله قد رضي له الإكرام، ولم يرض له الإهانة، ويتحقّق حفظ الإنسان لكرامته من خلال القيام بالأمور الآتية:

  • أن يحترم الإنسان عقله، وذلك من خلال تنميته بالعلم والمعرفة، والتأمل والتدبر، والابتعاد عن الخرافات والأوهام.
  • أن يحترم الإنسان قلبه بالإيمان والتوكّل على الله -عز وجل- ومحبته، وأن يُنَقِّيه من أمراض القلوب؛ كالحسد والحقد، والغل، والكراهية، وغيرها.
  • أن يحترم الإنسان روحه بذكر الله تعالى، وأن يسمو بنفسه عن الغفلات والدناءات، ويتحلى بمكارم الأخلاق.
  • أن يحترم الإنسان جوارحه بعمل الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والشهوات، وأن يتخيّر أفضل الأفعال والأقوال.
  • أن يحترم الإنسان نفسه بالترفع عن سؤال الناس، وعليه أن يوقن أن الذي يرزق السمك في الماء والطير في الهواء لن ينساه.

إجلال الإسلام للآخرين

كرّم الإسلام النفس الإنسانية بصفة عامة، ولم يجعل هناك استثناءاتٍ بسبب اللون أو الجنس أو الدين، فهو تكريمٌ عامٌ وشاملٌ، حتى إنه يشمل المسلمين وغير المسلمين، وقد انعكست هذه الرؤية الإسلامية الشاملة لجميع البشر، وهذا التكريم لكل الناس على كل فرع من فروع الشريعة، وهذا من شأنه أن يُفسر الأسلوب الفريد والراقي الذي تعامل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- به مع المنكرين والمخالفين له، وفيما يأتي بعض مظاهر هذا الإكرام للآخرين:

  • العدل والمساواة بين المسلمين وغيرهم في التعامل: فنجد أن الإسلام حرَّم الظلم والإهانة والتعدّي على حقوق الآخرين، والتقليل من شأنهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ونهى عن قتل النفس البشرية بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن قتَلَ مُعاهَدًا في غَيرِ كُنْهِهِ، حرَّمَ اللهُ عليهِ الجنَّةَ، قال أبو عَبدِ الرَّحمنِ: كُنهُهُ: حَقٌّ). وبذلك نجد أن الإسلام ينظر لكل البشر بنظرة احترامٍ وتقديرٍ.
  • احترام النفس البشرية لمجرّد أنها نفس: وقد ضرب النبي في حياته أروع الأمثلة لذلك، منها ما رواه جابر -رضي الله عنه- فقال: (قَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ حتَّى تَوَارَتْ)، ولا يخفى أن هذا الموقف من شأنه أن يُرَسِّخ عند الصحابة والمسلمين من بعدهم أن الإسلام يحترم كل نفس بشرية ويكرمها ويقدرّها، ومن الأمثلة على ذلك ما فعله قيس بن سعد، وسهل بن حنيف من الوقوف لجنازة رجلٍ مجوسي يعبد النار.
  • قبول الإسلام للاختلاف بكل أشكاله: فالمسلم مأمور بقبول الاختلاف في العقيدة، وبعدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام، بل وعنده تشريعاتٍ خاصة للتعامل مع الطوائف غير المسلمة، وفي ذلك تكريم لحرية الإنسان في اختيار دينه؛ لأن الله -عز وجل- هو الذي يحاسب الناس وليس الإنسان.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

عملية تنقية زيوت المحركات: استدامة وكفاءة

المقال التالي

منزلة الإنسان الرفيعة في الإسلام

مقالات مشابهة

الدفاع عن حقوق المُستهلك

مفاهيم أساسية حول الدفاع عن حقوق المُستهلك. تعرف على الأسس التي تقوم عليها حماية المستهلك، توفير بيئة صحية، جودة المنتجات، آليات تعويض المستهلكين، وحقوقهم الأساسية مثل الحق في المعرفة وإبداء الرأي.
إقرأ المزيد