مُختصر في مكارم الأخلاق: الإحسان في الإسلام
جوهر الإحسان في تعاليم الإسلام
يُعرف الإحسان في الإسلام بأنه تجاوز مجرد أداء الفرائض إلى بلوغ الكمال في العمل. فهو نقيض الإساءة، يتمثل في ترك كل ما هو قبيح والقيام بما هو حسن. بعض العلماء عرفه بأنه عبادة الله تعالى كأنه يراك، ولو لم تكن تراه فهو يراك. وهذا يدل على خشوع القلب وإخلاص النية. كما يتضمن الإحسان بذل الجهد في إصلاح ذات البين، ونشر الخير في الأرض، وفعل كل ما فيه نفع للعباد والبلاد. ويُجسّد هذا المعنى الكريم قول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 64]. فالله عز وجل أحسن خلقًا، وأسبغ النعم على عباده، مُبْدِياً بذلك كرمه وعظمته.
كمال العبادة: الإحسان في الطاعات
يُعتبر الإحسان في العبادات من أسمى مراتب الإيمان. وقد سئل النبي ﷺ عن معنى الإحسان، فأجاب: (أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك) [رواه البخاري]. هذا الحديث الشريف يُبرز أهمية الخشوع والتدبر في العبادة، مع الإتقان في أدائها، وتحقيق جميع شروطها وأركانها وسننها. فالمسلم المُحسن يُؤدي العبادات بقلبٍ خاشعٍ، وإخلاصٍ تامّ، مُدركاً مراقبة الله تعالى له في سره وعلانيته.
فضل بر الوالدين
يُعدّ الإحسان إلى الوالدين من أعظم مظاهر الإحسان. فالله تعالى أمرنا ببرّهم، وإكرامهم، والرفق بهم في جميع أحوالهم، خاصةً في شيخوختهما. يقول الله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا} [الإسراء: 23]. وهذا الأمر الإلهي يدلّ على مكانة الوالدين العظيمة في الإسلام، وحقوقهما الجليلة على الأبناء.
أهمية حسن الجوار
حثّ الإسلام على الإحسان إلى الجيران، وإقامة علاقة طيبة قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون، والسعي في إزالة الضرر عنهم. وقد قال النبي ﷺ: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ) [رواه مسلم]. فالإحسان إلى الجيران يُعزز الترابط الاجتماعي، ويُسهم في بناء مجتمعٍ قائم على الأخوة والتعاون والسلام.
الإحسان للضعفاء
يُعدّ الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين والأيتام من أهمّ مظاهر الإحسان في الإسلام. فالله تعالى أمرنا بالإنفاق عليهم، وإغاثة الملهوفين، وإزالة الضرور عنهم. يقول تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]. وهذا يدل على أهمية التكافل الاجتماعي، والعناية بالضعفاء والمساكين.
النزاهة والعدل في التجارة
يُعتبر الإحسان في المعاملات المالية من أهمّ جوانب الإحسان في الإسلام. فيجب على المسلم أن يتقي الله تعالى في معاملاته، ويُقيم العدل بين الناس، ويبتعد عن الغشّ والخداع وأكل مال الحرام. يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ} [النحل: 90]. فالإحسان في المعاملات التجارية يُبني الثقة بين الناس، ويُسهم في ازدهار الاقتصاد.
عظمة الصفح والتسامح
يُعتبر الصفح عن المسيء من أسمى مظاهر الإحسان. فالتسامح والعفو عن الزلات يُسهم في إصلاح ذات البين، ونشر المحبة والوئام بين الناس. فالنبي ﷺ كان خير قدوة في هذا المجال، حيث كان يُحسن إلى من أساء إليه.
حسن الحوار والمجادلة
يُعدّ حسن الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن من صور الإحسان في الإسلام. فعلى المسلم أن يُجادل خصمه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبتعد عن السبّ والشتم واللفظ الخشن. يقول الله تعالى: {وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ} [النحل: 125]. وهذا يُسهم في نشر الفكر السليم، وإقناع الآخرين بالحجة والدليل.
الرفق بالحيوان
يُعتبر الرفق بالحيوان من صور الإحسان في الإسلام. فالمسلم المُحسن يُعامل الحيوانات بلطفٍ ورحمة، ويُراعي حقوقها، ويحافظ على عدم إيذائها. فالنبي ﷺ كان يُحافظ على عدم إيذاء الحيوان، بل كان يُوصي بالرفق به.
أهمية حسن الكلام
يُعدّ حسن القول من مظاهر الإحسان في الإسلام. فالمسلم المُحسن يختار الكلام الطيب، ويبتعد عن القول القبيح الذي يُؤدي إلى الفتنة والشر. يقول الله تعالى: {وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا} [الإسراء: 53]. فهذا يُسهم في نشر الخير والمحبة بين الناس.