مقدمة حول الإيمان بالغيب
الإيمان بالغيب يشكل ركيزة أساسية من ركائز العقيدة الإسلامية. إنه التصديق الجازم بأمور لا تدركها الحواس الظاهرة ولا يحيط بها العقل بمفرده، بل يتم إثباتها عن طريق الوحي الإلهي والسنة النبوية المطهرة. هذا الإيمان يتجاوز مجرد المعرفة العقلية ليصل إلى التسليم الكامل والانقياد لأمر الله ورسوله.
حكم الإيمان بالأمور الغيبية
الاعتقاد بالغيب واجب شرعي على كل مسلم. فالله تعالى وصف المؤمنين في بداية سورة البقرة بقوله:
“الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (البقرة: 3).
هذه الآية الكريمة تجعل الإيمان بالغيب من أولى صفات المتقين، مما يدل على أهميته القصوى في الدين. لا يكتمل إيمان المرء بمجرد الإقرار اللساني، بل يجب أن يتبعه عمل القلب وتصديقه الكامل.
لقد اشتمل الدين الإسلامي على العديد من الأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الوحي الصادق والسنة النبوية الشريفة. من أمثلة هذه الأمور: الإيمان بالله وصفاته، وعالم الملائكة الكرام، والرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشر، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، وغيرها الكثير من الأمور التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الخبر الصادق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يجب أن يكون الإيمان بالأمور الغيبية مبنياً على نصوص قطعية الثبوت والدلالة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. وفيما يتعلق بالسنة النبوية، يجب التأكد من صحة الحديث وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الاعتقاد بما جاء فيه من أمور غيبية. لقد وضع العلماء ضوابط ومعايير دقيقة لقبول الحديث النبوي والعمل به.
تصنيفات الغيب المختلفة
نظراً لاتساع عالم الغيب وتعدد جوانبه، قام العلماء بتقسيم الغيب إلى أنواع مختلفة بناءً على اعتبارات متعددة. هذه التقسيمات تساعد على فهم طبيعة الغيب وتمييز أنواعه المختلفة.
تقسيم الغيب من حيث العلم والمعرفة
ينقسم الغيب باعتبار العلم والمعرفة إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
- الغيب النسبي: وهو ما يعلمه بعض المخلوقات دون البعض الآخر. فمثلاً، قد تعلم الجن بعض الأمور التي لا يعلمها البشر، وقد يعلم الإنسان شيئاً يجهله إنسان آخر. وكذلك، قد يمتلك العلماء والأنبياء من العلم ما لا يمتلكه غيرهم.
- الغيب الذي يمكن الوصول إليه بالوسائل: وهو الأمور المجهولة التي يمكن معرفتها عن طريق الأسباب والوسائل المتاحة، باستثناء الأمور الدينية الغيبية التي تتوقف على الوحي. يشمل ذلك الاكتشافات العلمية، والقوانين الكونية، والمعلومات الجغرافية، والاكتشافات الفلكية.
- الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وحده. من أمثلة ذلك علم الساعة، وموعد نزول الغيث، وما في الأرحام تفصيلاً. هذا النوع من الغيب خاص بالله تعالى ولا يمكن لأي مخلوق أن يصل إليه.
تصنيف الغيب بحسب الزمن
يمكن تقسيم الغيب بحسب الزمن إلى ثلاثة أقسام:
- غيب الماضي: وهو الأخبار عن الأمم السابقة والقصص القديمة. من أمثلة ذلك إخبار الله تعالى في القرآن الكريم عن انتصار الروم، وقصة يوسف عليه السلام، وقصص الأنبياء السابقين. كما يشمل معرفتنا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
- غيب الحاضر: وهو ما يحدث الآن في أماكن بعيدة أو بطرق خفية لا يعلمها إلا الله. يمكن الوصول إلى بعض جوانب هذا الغيب عن طريق وسائل الإعلام الحديثة أو عن طريق التوقعات المبنية على المعطيات المتاحة.
- غيب المستقبل: وهو كل ما سيحدث في المستقبل من أمور دنيوية وأخروية. هذا النوع من الغيب خاص بعلم الله وحده ولا يمكن لأي مخلوق أن يعلمه على وجه اليقين.
تصنيف الغيب بالنظر إلى المصدر
ينقسم الغيب بالنظر إلى المصدر إلى قسمين رئيسيين:
- ما جاء في القرآن الكريم: وهو الغيب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم بنصوص قطعية الثبوت والدلالة. إنكار هذا النوع من الغيب يعتبر كفراً مخرجاً من الملة.
- ما جاء في السنة النبوية: وهو الغيب الذي ورد ذكره في السنة النبوية الصحيحة. يجب التأكد من صحة الحديث وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الاعتقاد بما جاء فيه من أمور غيبية. لقد وضع العلماء ضوابط ومعايير دقيقة لقبول الحديث النبوي والعمل به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (صحيح البخاري).
المصادر والمراجع
- سفر الحوالي، دروس للشيخ سفر الحوالي.
- عدنان خطاطبة، المعرفة الغيبية في الإسلام ووظائفها التربوية.
- علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام.
- بسام العموش، الإيمان بالغيب.