ألوان الكتابة النثرية في حقبة المماليك

استكشاف أنواع النثر وخصائصه في عصر المماليك، بما في ذلك أسباب الازدهار وأهم المؤلفات العلمية والكتابة الديوانية والرسائل الإخوانية.

مقدمة

شهدت الفترة المملوكية نشاطًا أدبيًا بارزًا وازدهارًا في مختلف مجالات العلم والمعرفة. يُذكر أن هذه الحقبة كانت عصرًا للموسوعات، حيث ساهم العلماء في إغناء المكتبة العربية بمؤلفات شاملة في العلوم والفنون المتنوعة. هذا الإنتاج العلمي والأدبي ساعد بشكل كبير في تعويض الخسائر التي تعرضت لها الأمة الإسلامية جراء الغزو المغولي، وأصبحت مصر والشام وجهة للعلماء والأدباء الذين فروا من الشرق.

دوافع ازدهار النثر

يعود ازدهار النثر خلال عصر المماليك إلى عدة أسباب رئيسية، من أهمها:

  • اهتمام سلاطين المماليك بأبناء مجتمعهم من الناحية التعليمية والثقافية والعلمية، وتوفير بيئة تربوية صارمة تركز على الدين والتدريب العسكري.
  • تشجيع السلاطين للعلماء وتقريبهم إلى مجالسهم، بالإضافة إلى استشارتهم في مختلف القضايا الهامة.
  • إنشاء المدارس والمعاهد العلمية، ورعاية الطلاب والعلماء من خلال منحهم الجوائز والمكافآت المالية.
  • طموح المماليك لإحياء أمجاد الحضارة الإسلامية.
  • رغبة المماليك في ترك بصمة تاريخية تخلد ذكراهم.

ملامح التطور الفني للنثر

أولى المماليك اهتمامًا كبيرًا بالحركة الأدبية في كل من القاهرة ودمشق. من بين المظاهر البارزة لازدهار النثر في هذه الفترة:

  • إنشاء المكتبات الضخمة التي احتوت على أنواع مختلفة من الكتب والمؤلفات.
  • تأليف الموسوعات الشاملة التي تغطي مختلف فروع المعرفة.
  • التركيز على جمع المخطوطات القديمة.
  • إعادة نسخ الكتب التي تلفت أو أتلفت بسبب الحروب والظروف الأخرى.
  • إعادة تفعيل ديوان الإنشاء، وهو القسم المسؤول عن كتابة الرسائل الرسمية للدولة.

النثر الفني وأنواعه

ينقسم النثر الفني في عصر المماليك إلى نوعين رئيسيين:

الكتابة الرسمية (الديوانية)

تشمل الرسائل الديوانية التوجيهات والأوامر الصادرة من السلاطين والحكام. كان يتولاها كبار الكتاب في ديوان الإنشاء، ويشترط في الكاتب الإلمام بفنون الخط، والتبحر في علوم الشريعة الإسلامية، ليتمكن من الاستشهاد بالقرآن الكريم والسنة النبوية. كما كان يُطلب منه العفة والإخلاص وكتمان الأسرار وتقوى الله وحسن النية. اهتم السلاطين باختيار كتاب الرسائل بعناية، وانتقاء أهل الفقه والأدب والعقل، لأنهم كانوا يعتبرونهم عقول الأمة. اتسمت هذه الرسائل بالزخرفة اللفظية، مما أثر سلبًا على وضوح المعاني في بعض الأحيان.

للرسائل الديوانية أشكال متنوعة، منها:

  • الرسائل الملكية: وهي المراسلات التي تُرسل باسم السلطان إلى الملوك الآخرين في موضوع معين.
  • العهود والمبايعات: العهد هو رسالة من الخليفة أو السلطان إلى الشخص الذي يختاره لولاية العهد من بعده؛ مثل عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون عن الحاكم بأمر الله أحمد السليماني، الذي كتبه القاضي القيسراني. أما المبايعة فهي رسالة ديوانية تُكتب للخليفة أو الملك عند توليه منصبه للمرة الأولى، تعبيرًا عن الإقرار والرضا به.
  • التقاليد: أمر تعيين لأحد موظفي الدولة لتولي منصب أو وظيفة.
  • التواقيع: أمر تعيين لأحد موظفي الدولة لوظيفة عادية.
  • المراسيم: ما يُكتب في الأمور الصغيرة التي لا تتعلق بالولاية، وتتناول معالجة بعض المشكلات الاجتماعية.
  • البشارة: رسالة تحمل أخبارًا سارة، مثل قدوم السلطان من رحلة أو غزو، أو انتصار الجيش، أو ولادة مولود جديد.

الرسائل الودية (الإخوانية)

هي الرسائل التي يتبادلها الأدباء فيما بينهم، وتشمل المناظرات. تتضمن هذه الرسائل العتاب والشكوى وتبادل الآراء والتهنئة والتعزية والهجاء والذم والشكوى. غالبًا ما كانت تركز على الجانب اللفظي على حساب المعاني السامية، وتتميز بالبساطة واستخدام عبارات المجاملة والثناء المبالغ فيه.

النثر العلمي في تلك الفترة

أسفرت جهود العلماء في تلك الفترة عن حركة واسعة من التأليف والتصنيف في مختلف فروع المعرفة، مثل علم القراءات والتفسير والحديث والفقه وأصوله، بالإضافة إلى علم اللغة واللسانيات والتاريخ والطب والفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والرياضية، وفروع أخرى كالموسيقى وتفسير الأحلام وحل الألغاز والكيمياء والفلك والجغرافيا والهندسة، فضلاً عن الموسوعات التي جمعت شتى أنواع المعارف والعلوم.

أشهر المصنفات العلمية

شهدت حركة التأليف نشاطًا ملحوظًا في عصر المماليك، حيث أُضيفت إلى خزانة الأدب العربي عشرات المؤلفات في مختلف العلوم والمعارف، منها:

  • ألفية ابن مالك: مُؤلَف لخص فيه ابن مالك قواعد النحو العربي في 1000 بيت.
  • القصيدة الشاطبية: نظمها القاسم الشاطبي وعنوانها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع للسبع المثاني.
  • نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري: يقع في 33 مجلدًا و4500 صفحة في الجغرافيا والإنسان وعلومه والحيوان والنبات والتاريخ من آدم وحتى عصره.
  • مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين بن فضل الله العمري: وهو في 20 مجلداً.
  • التذكرة الصفدية لصلاح الدين الصفدي: ويقع في 30 مجلداً، جمع فيه نوادر الأشعار ولطائف الأدبيات نظمًا ونثرًا.

المراجع

  1. جلال العطاري، النثر الفني في العصر المملوكي الأول، صفحة 69. بتصرّف.
  2. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 26- 30. بتصرّف.
  3. محمد زغلول سلام، الأدب في العصر المملوكي، صفحة 108-119. بتصرّف.
  4. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 59-73. بتصرّف.
  5. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 51. بتصرّف.
  6. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 59-60. بتصرّف.
  7. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 63. بتصرّف.
  8. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 69. بتصرّف.
  9. رشا النحال، فن الرسائل في العصر المملوكي، صفحة 74. بتصرّف.
  10. جلال العطاري، النثر الفني في العصر المملوكي، صفحة 99-108. بتصرّف.
  11. جلال العطاري، النثر الفني في العصر المملوكي، صفحة 35- 66. بتصرّف.
  12. جلال العطاري، النثر الفني في العصر المملوكي، صفحة 36- 66. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الكتابة وأشكالها في العصر العباسي

المقال التالي

طرق الحماية من فتنة القبر

مقالات مشابهة