مقدمة
الفؤاد هو ذلك العضو الصغير الذي يحمل في طياته الكثير من المشاعر والأحاسيس. إنه مركز العاطفة، ومستودع الذكريات، ومصدر الإلهام. لطالما كان الفؤاد محط أنظار الشعراء والفلاسفة والأدباء، الذين تغنوا به وبأسراره، وسبروا أغواره وكشفوا عن خفاياه.
مقتطفات عن حال الفؤاد
كم يشقى الفؤاد ويتعذب بالشوق والحنين إلى الماضي. وكم هي قاسية لحظات الذل والانكسار التي تمر به. الفؤاد الذي يتذكر الأحبة هو فؤاد لا ينسى مهما طال الزمان. حتى القوة والصلابة الظاهرة قد تخفي وراءها فؤادًا هشًا وجريحًا.
هناك تصرفات قد تبدو بسيطة للبعض، لكنها تترك أثرًا عميقًا في فؤاد المتلقي، وكأنها وشم لا يُمحى. العيون قد ترى الكثير من الوجوه الجميلة، لكن الفؤاد لا يفتح أبوابه إلا لوجه واحد فقط.
الفؤاد والغفلة
عندما يغفل الفؤاد عن ذكر الموت، يجد الشيطان مدخلاً إليه. الغفلة هي باب واسع يدخل منه العدو ليُفسد على الإنسان حياته. لذا، يجب على المؤمن أن يكون دائم الذكر لله، وأن يتفكر في الموت وما بعده، حتى لا يقع في الغفلة.
استشفاء الفؤاد
الشوق إلى الله ولقائه هو نسيم عليل يهب على الفؤاد، فيريح عنه وهج الدنيا وهمومها. صحبة العلماء وقضاء الدين ومشاهدة الأحبة هي أمور تُذهب عن الفؤاد العمى وتُنير بصيرته.
الراحة الحقيقية للفؤاد تكمن في العمل الصالح، والسعادة هي أن يكون الإنسان مشغولاً بما ينفعه، حتى لا يجد وقتًا للتفكير في التعاسة. الابتلاءات والمصائب هي فرص لتطهير الفؤاد وتقريبه من الله.
يعرف موت الفؤاد بترك الطاعة وإدمان الذنوب وعدم المبالاة بسوء الذكر والأمن من مكر الله. فالقلب الحي هو الذي يتأثر بالخير ويفرح به، ويتأثر بالشر ويحزن له.
صفاء الفؤاد
ليس الزهد هو فراغ اليد من الدنيا، وإنما هو فراغ الفؤاد من التعلق بها. الفؤاد السليم هو الذي لا يحمل غلاً ولا حسدًا ولا كراهية لأحد. الفؤاد الممتلئ بالحكمة لا يتسع للصغائر.
يقول تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. فاللين والرفق هما صفتان تجذبان الناس إلى صاحبها، بينما الفظاظة والغلظة تنفرهم منه.
ليس من شيء أطيب من اللسان والفؤاد إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. فالكلمة الطيبة هي شجرة مورقة إذا وقعت في الفؤاد أحيته.
الفؤاد والحب
المنفى الحقيقي هو أن تكون خارج فؤاد من تحب. الفؤاد النبيل قد يحب من قبيل الشفقة. حقًا، منطق الفؤاد لا منطقي أبدًا. يقول تعالى: (وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ).
ما يدونه الفؤاد لا يقرأه إلا الفؤاد. وكيف لا تعلن قلاع الفؤاد الاستسلام لحبها ومفاتيحها باتت بيدها.
حكمة الفؤاد
النور له الكشف، البصيرة لها الحكم، والفؤاد له الإقبال والإدبار. إطلاق البصر ينقش في الفؤاد صورة المنظور، والفؤاد كعبة والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام.
الإيمان قوة ساحرة إذا استمكنت من شعاب الفؤاد وتغلغلت في أعماقه تكاد تجعل المستحيل ممكنًا. الفؤاد المرتبط بالله يعلو بصاحبه على كل شيء، فما تذله رهبة ولا تدنيه رغبة.
الرجولة هي الذراع التي تمتدّ لتحمي، والعقل الذي يفكر ليصون، والفؤاد الذي ينبض ليغفر. الإنسانية عملة مأنوسة لا تهبط قيمتها، ولا يستوحش منها أحد له فؤاد سليم وعقل سليم.