فهرس المحتويات
توضيح حكم صلاة الجماعة بين الأعمدة
يُقصد بالأعمدة هنا، تلك الدعائم المعروفة التي تُبنى في المساجد وغيرها من أماكن الصلاة. اتفق غالبية العلماء على جواز وصحة الصلاة بين هذه الأعمدة إذا لم يكن هناك متسع آخر في المسجد أو مكان الصلاة.
لكن في حالة وجود مساحة كافية، فقد اختلف الفقهاء في حكم الصلاة بين الأعمدة. ذهب بعضهم إلى كراهة ذلك، وهو رأي الإمام أحمد وإسحاق. يستند هذا الرأي إلى ما رُوي عن عبد الحميد بن محمود: (صلَّيتُ مع أنسٍ يومَ الجُمُعةِ، فدُفِعْنا إلى السَّوَاري، فتقَدَّمْنا أو تأخَّرْنا. فقال أنسٌ: كنَّا نتَّقي هذا على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
بينما يرى فقهاء الشافعية، كالرملي وغيره، صحة الصلاة من دون كراهة، سواءً للمنفرد، أو الإمام، أو المأموم. ويتفق معهم المالكية في عدم كراهية ذلك.
أما الحنفية، فيرون كراهة الصلاة بين الأعمدة للإمام فقط.
في حال ضيق المكان، فإن الصلاة جائزة دون كراهة، وذلك اقتداءً بفعل الصحابة الكرام عندما اضطروا إلى ذلك، ولعدم وجود نهي صريح من النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك.
ذهب البعض إلى القول بعدم كراهة صلاة الإمام بين الأعمدة، مع كراهتها للمأمومين، وذلك لأنها تقطع الصفوف بالنسبة لهم، ولا تقطعها بالنسبة للإمام. وممن قال بهذا الرأي ابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهما- والنخعي -رحمه الله-. وقد كان الصحابة الكرام يتجنبون الصلاة بين الأعمدة. في المقابل، يرى ابن المنذر عدم الكراهة لعدم وجود دليل ينهى عنها. وفي حال كان الصف صغيراً بحيث لا تتجاوز المسافة بين الساريتين، فلا تُكره الصلاة بينهما، لعدم انقطاع الصف بها.
أوضح الشيخ ابن عثيمين أنه إذا كانت الصلاة بين الأعمدة لحاجة، فهي جائزة دون كراهة. أما إذا كانت لغير حاجة، فهي مكروهة، وذلك اقتداءً بتجنب الصحابة لذلك، وحتى لا يقطع الصف في الصلاة. إن تسوية الصفوف في صلاة الجماعة أمر مطلوب ومستحب.
توضيح حكم صلاة الفرد بين الأعمدة
يجوز للشخص الذي يصلي بمفرده أن يصلي بين الأعمدة. الكراهة في الصلاة بين الأعمدة، عند من قال بها، تكون في حالة صلاة الجماعة فقط.
يدعم ذلك ما ثبت من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، عندما سُئل أحد الصحابة الكرام: (أصَلَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الكَعْبَةِ؟ قالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ، بيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ علَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْتَ).
العلة من كراهية الصلاة بين الأعمدة
تكره الصلاة بين الأعمدة لعدة أسباب وحِكم، منها أنها تمنع اتصال الصفوف وتسويتها، كما ذُكر سابقاً.
وذكر الصنعاني -رحمه الله- أن ذلك مخالفة لما يحبه الله -تعالى-، فالله -تعالى- يحب الصف المتصل.
وقيل إن في ذلك تشبهاً بالجن المؤمن، فهم يصلون بين الأعمدة، وهذا قول القرطبي. وجاء عن المحب الطبري في الحكمة من النهي أنها تقطع الصف، وهو مكان وضع الأحذية.
المصادر والمراجع
- محمود بن بدر الدين العينى،عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، صفحة 284، جزء 4. بتصرّف.
- حسام الدين عفانة،فتاوى د حسام عفانة، صفحة 43، جزء 6. بتصرّف.
- رواه شعيب الأرناووط، في تخريج شرح السنة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/333، صحيح.
- لجنة الإفتاء (02-03-2010)،”حكم الصلاة بين السواري”،www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 23-2-2021. بتصرّف.
- أبموفق الدين الجماعيلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (1968)،المغني، القاهرة، مكتبة القاهرة، صفحة 161-162، جزء 2. بتصرّف.
- أبتأحمد بن حجر العسقلاني (1379)،فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت، دار المعرفة، صفحة 578، جزء 1. بتصرّف.
- علي حسن عبد الحميد (1990)،توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري(الطبعة الأولى)، السعودية، دار ابن القيم للنشر والتوزيع، صفحة 35. بتصرّف.
- محمد العثيمين (1413هـ)،مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(الطبعة الأخيرة)، السعودية، دار الثريا، صفحة 33-35، جزء 13. بتصرّف.
- أبسعيد حوّى (1994)،الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام(الطبعة الأولى)، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ، صفحة 1052، جزء 2. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 397، صحيح.
- سيد سابق (1977)،فقه السنة(الطبعة الثالثة)، بيروت – لبنان، دار الكتاب العربي، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
- أحمد الكوراني (2008)،الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري(الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان، دار إحياء التراث العربي، صفحة 180، جزء 2. بتصرّف.
- محمد الحسني المعروف كأسلافه بالأمير (2011)،التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ(الطبعة الأولى)، الرياض، مكتبة دار السلام، صفحة 301، جزء 7. بتصرّف.
- محمود السّبكي (1977)،الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق(الطبعة الرابعة)، السعودية، المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 111، جزء 3. بتصرّف.