أحكام النذر في الأمور الجائزة وكفارته

استكشاف الأحكام الشرعية المتعلقة بالنذر في الأمور المباحة، وشرح تفصيلي لكفارة النذر وأنواعها وفقاً للشريعة الإسلامية.

تعريف النذر وأقسامه

النذر في الشريعة الإسلامية يعني إلزام الشخص المسلم نفسه بعمل لم يكن ملزماً به أصلاً. يتحقق النذر بكل صيغة تدل على هذا الإلزام، مثل أن يقول الشخص: “لله علي نذر أن أفعل كذا”، أو “إن تحقق لي هذا الأمر فعلي كذا”، أو “لله علي أن أقوم بهذا الفعل”.

يقسم النذر إلى عدة أنواع، أحدها هو النذر بالمباح، وهو أن يلزم المسلم نفسه بفعل أمر مباح، أو الامتناع عن فعل مباح. والمباح هو كل ما كان الإنسان مخيراً بين فعله وتركه دون أن يترتب على ذلك ثواب أو عقاب. مثال على ذلك النذر بأكل نوع معين من الطعام، أو لبس ثوب معين، أو حتى النذر ببيع سلعة معينة، كأن يقول الشخص: “لله علي أن أبيع بيتي”.

الرأي الشرعي في النذر المتعلق بالمباحات

يجب الوفاء بالنذر إذا كان يتعلق بطاعة أو قربة إلى الله تعالى، مثل النذر بالصلاة أو الصيام عند الشفاء من مرض. ويحرم الوفاء بالنذر إذا كان يتعلق بمعصية، مثل النذر بالسرقة أو شرب الخمر، استناداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ”.

أما بالنسبة للنذر بالمباح، فقد اختلف العلماء في حكم انعقاده، ولزومه، وما إذا كانت تجب الكفارة عند عدم الوفاء به. وفيما يلي تفصيل لأقوال العلماء في هذا الأمر:

الرأي الأول: يرى جمهور العلماء من الحنفية والحنابلة أن النذر بالمباح منعقد، ويعتبرونه كاليمين. وبالتالي، فإن الناذر مخير بين الوفاء بنذره، أو عدم الوفاء به مع دفع الكفارة. وقد استدلوا بما روي من أن امرأة نذرت أن تضرب بالدف فرحاً بعودة النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمرها بالوفاء بنذرها، قائلاً: “أوفِ بنذرِكِ”.

الرأي الثاني: يرى المالكية والشافعية أن النذر بالمباح غير منعقد؛ لأنه ليس طاعة أو قربة إلى الله تعالى. فالنذر المنعقد هو ما كان فيه تقرب إلى الله. وقد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا نذرَ إلَّا فيما ابتُغِيَ بِهِ وجهُ اللَّهِ تعالى ذِكْرُهُ”. فالأمور المباحة لا تعتبر من القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وبالتالي لا تترتب عليها كفارة في حالة تركها وعدم الوفاء بها. كما استدلوا بما ورد في السنة النبوية: “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى شيخًا يُهَادَى بيْنَ ابْنَيْهِ، قالَ: ما بَالُ هذا؟ قالوا: نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ، قالَ: إنَّ اللَّهَ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ. وأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ”. فالنبي صلى الله عليه وسلم استنكر فعل الرجل وأمره بالركوب، ولم يأمره بالكفارة.

كفارة عدم الوفاء بالنذر

تجب الكفارة في حال عدم الوفاء بالنذر. وكفارة النذر هي نفسها كفارة اليمين؛ لأن النذر يأخذ حكم اليمين، استناداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينِ”. فمن نذر ولم يفِ بنذره، فعليه أن يكفر كفارة اليمين، وهي:

  • إطعام عشرة مساكين، أو
  • كسوة عشرة مساكين، أو
  • تحرير رقبة.

فإذا عجز الناذر عن الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، فعليه صيام ثلاثة أيام، استناداً لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ).

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

آراء الفقهاء في النذر المتعلق بالعبادات

المقال التالي

أحكام النذر وأشكاله المختلفة

مقالات مشابهة