مقدمة
إن سماحة الشريعة الإسلامية تتجلى في يسرها ورفعها للحرج والمشقة عن المسلمين. لتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بصيام مرضى السكري، من الضروري فهم الحالات المختلفة التي يمر بها هؤلاء المرضى.
حالات مريض السكري والصيام
يمكن تصنيف مرضى السكري إلى فئتين رئيسيتين:
-
الفئة الأولى: المرضى القادرون على الصيام. وتنقسم هذه الفئة إلى نوعين:
- النوع الأول: مرضى السكري في مرحلة “سكري النضوج” أو “الكهولة”، الذين يتم علاجهم عن طريق الحمية الغذائية فقط.
-
النوع الثاني: مرضى السكري الذين يعالجون بالأقراص الدوائية التي يصفها الطبيب، بالإضافة إلى الحمية الغذائية، وذلك للسيطرة على مستويات السكر في الدم. وهذا النوع ينقسم بدوره إلى قسمين:
- القسم الأول: المريض الذي يتناول قرصًا واحدًا يوميًا: عادة ما يكون قادرًا على الصيام، ولكن يُنصح بالإفطار مباشرة بعد أذان المغرب بتناول تمرتين أو ثلاث مع كوب من الماء، ثم تناول الدواء بعد صلاة المغرب، ثم البدء في تناول وجبة الإفطار الرئيسية.
- القسم الثاني: المريض الذي يتناول قرصين يوميًا: يمكنه أيضًا الصيام عادة، مع الحرص على تناول قرص واحد قبل الإفطار ونصف قرص قبل السحور، بدلًا من تناول الجرعة الكاملة التي اعتاد عليها قبل شهر رمضان. وبالنسبة لأكثر من قرصين يوميًا، يجب تخفيف جرعة الدواء قبل السحور إلى النصف بناءً على نصيحة الطبيب.
-
الفئة الثانية: مرضى السكري غير القادرين على الصيام، وتشمل الحالات التالية:
- المريض الشاب المصاب بالسكري قبل سن الثلاثين.
- المريض الذي يحتاج إلى جرعة كبيرة من الأنسولين (أكثر من 40 وحدة دولية يوميًا)، أو الذي يأخذ الأنسولين مرتين يوميًا.
- المريض المصاب بالسكري غير المستقر.
- المرأة الحامل المصابة بالسكري.
- كبار السن المصابون بالسكري لفترة طويلة ويعانون من مضاعفات متقدمة للمرض.
- الشخص الذي يعاني من “حماض ارتفاع السكر” قبل أو في بداية شهر رمضان.
معلومات وإرشادات ضرورية لمرضى السكري
الحفاظ على النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية. يجب على مرضى السكري الالتزام بالإرشادات الطبية لتجنب تعريض أنفسهم للخطر:
- إذا تعرض الصائم المصاب بالسكري لنوبات نقص حادة أو ارتفاع كبير في السكر، يجب عليه الإفطار فورًا لتناول العلاج المناسب.
- يجب تقسيم جرعة الدواء إلى ثلاثة أقسام متساوية: الأول عند الإفطار، والثاني بعد صلاة التراويح، والثالث عند السحور.
- يُفضل تأخير وجبة السحور قدر الإمكان.
- يجب تجنب الإفراط في تناول الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالسكريات مثل الحلويات والمشروبات المحلاة.
- قرار السماح بالصيام أو عدمه، وتحديد أوقات تناول العلاج، يعود إلى تقدير الطبيب المعالج الموثوق به.
حكم أخذ حقن الأنسولين أثناء الصيام
يرى الفقهاء أن حقن الأنسولين لا تفسد الصوم، لأنها ليست طعامًا ولا شرابًا يتقوى به الجسم. الأصل هو صحة الصوم، ولا يجوز نقض هذا الأصل إلا بدليل شرعي قاطع. لذا، فصوم من يأخذ حقن الأنسولين صحيح، مع ضرورة المتابعة المستمرة مع الطبيب المعالج.
حكم من لا يستطيع الصوم نهائياً من مرضى السكري
إذا كان مريض السكري غير قادر على الصيام نهائيًا، يجب عليه الإفطار وإخراج فدية عن كل يوم أفطره، وهي إطعام مسكين، استنادًا لقول الله -تعالى-:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184].
حكم من عليه كفارة وهو مريض بالسكري ولا يستطيع الصيام
إذا كان على مريض السكري كفارة صيام شهرين متتابعين ولكنه غير قادر على الصوم بسبب مرضه، فإن الحكم في هذه الحالة يقاس على كفارة القتل الخطأ. يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا شيء عليه؛ “لأن كفارة القتل ليس فيها إلا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين.”
كما جاء في سورة النساء:
﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ﴾ [النساء: 92]
ثم يضيف الشيخ بأنه ليس فيها إطعام، فإن استطاع الصيام صام وإلا فلا شيء عليه.