أحكام الصلاة في الأراضي المحتلة بغير حق

استكشاف أحكام الصلاة في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بغير حق، مع نظرة على مفهوم الغصب في الشريعة الإسلامية وبعض الأحكام المرتبطة به.

حكم أداء الصلاة في الأراضي المنتزعة ظلمًا

يعرف الغصب لغة بأنه أخذ الشيء بالقوة والإكراه، أما اصطلاحًا، فهو الاستيلاء على مال ذي قيمة من شخص آخر دون إذنه وعلمه. وقد اتفق العلماء على أن الصلاة في الأراضي المغصوبة محرمة؛ وذلك لأن البقاء فيها محرم في غير الصلاة، فمن باب أولى يكون المكث فيها لأجل الصلاة حرامًا. أما بالنسبة لصحة الصلاة نفسها، فيرى جمهور العلماء أن الصلاة صحيحة مع الإثم الناتج عن الغصب، وذلك لأن النهي يتعلق بالأرض وليس بالصلاة نفسها، وبالتالي يسقط الفرض مع الإثم. بينما يذهب الحنابلة إلى عدم صحة الصلاة في هذه الأراضي؛ لأنها أُديت على وجهٍ منهي عنه، قياسًا على صلاة الحائض وصومها.

نظرة الإسلام إلى فعل الغصب

يعتبر الغصب من المحرمات في الإسلام؛ لأنه يعد معصية لله تعالى. وقد ثبتت حرمته في القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع. فمن القرآن الكريم، قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾. ومن السنة النبوية، قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وإِنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ عليكُمْ حرامٌ كَحُرْمَةِ يومِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا﴾. أما الإجماع، فقد أجمع المسلمون على حرمة الغصب.

يعتبر الغاصب عاصيًا لربه، ومعتديًا على حق الغير، وظالمًا له، ويتحمل الإثم نتيجة لذلك؛ لما فيه من أخذ حق الآخرين ظلمًا وقهرًا. يجب على الغاصب أن يعيد ما غصبه إلى صاحبه عيناً، وإذا لم يستطع، فعليه أن يرد قيمته. وإذا سامحه صاحب الحق، فقد برئت ذمته.

أهم الأحكام المرتبطة بفعل الغصب

يجب على من غصب شيئًا أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعيد ما أخذه، وأن يطلب العفو من صاحبه. وهناك العديد من الأحكام المتعلقة بالغصب، ومن بينها:

  • إذا قام الغاصب بالتصرف في الشيء المغصوب بالبناء عليه أو بأي طريقة أخرى، فإنه يؤمر بإزالة ما بناه إذا طالب صاحب الحق بذلك.
  • يضمن الغاصب قيمة الشيء في حالة تغيره سواء بالزيادة أو النقصان، وتعتبر جميع تصرفاته فيه باطلة إذا تمت دون إذن المالك.
  • يستحق الغاصب المؤاخذة في الآخرة، ويلزم بتكاليف إعادة الشيء إلى صاحبه؛ لأنها من ضرورات الرد، ويبرأ بردها. ويضمن المثل إذا كان المال مثليًا؛ أي ما له مثيل في السوق، وبالقيمة إذا كان المال قيميًا؛ أي ما ليس له مثيل في السوق، وإذا تعذر الاثنان، يتم اللجوء إلى القيمة في حالة الضرورة.
  • يجب على الغاصب رد الشيء المغصوب مع زيادته، سواء كانت متصلة أو منفصلة، مثل من غصب جملًا وولدت عنده، فيردها مع المولود لأنه تابع لها.
  • يجب على الغاصب رد ما أخذه بعينه إذا كان موجودًا، وعليه الضمان إذا تعرض ما أخذه للتلف أو الهلاك، ويؤاخذ عليه في الآخرة إذا كان عالمًا بأن ما أخذه ملكًا للغير، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ﴿مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ﴾.
  • ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الغاصب يؤدب بالضرب والسجن؛ لأنه حق لله تعالى، حتى وإن عفا عنه صاحب الحق؛ لما في ذلك من دفع الفساد. ومن غصب شيئًا من غير علم فلا يؤاخذ بذلك، ولا إثم عليه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إنَّ اللهَ تجاوَز عنْ أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه﴾.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين،فقه المعاملات، صفحة 117، جزء 4.
  2. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 189-190، جزء 30.
  3. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ،الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ(الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 984-985، جزء 2.
  4. سورة النساء، آية: 29.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3191، صحيح.
  6. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 229-230، جزء 31.
  7. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)،موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 623-624، جزء 3.
  8. مجموعة من المؤلفين (1424 هـ )،الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 253، جزء 1.
  9. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ،الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ(الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 4798-4802، جزء 6.
  10. وجوب رد المغصوب مع زيادته، إسلام ويب.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2453، صحيح.
  12. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7219، أخرجه في صحيحه.
  13. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 234-235، جزء 31.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

ضوابط الصلاة على سجاد يحمل رسومات الكعبة

المقال التالي

أحكام ومزايا أداء صلاة الجماعة

مقالات مشابهة