فهرس المحتوى
حكم الزنا في الإسلام
تُعتبر الزنا من الكبائر في الإسلام، وهي من أخطر الذنوب بعد الشرك بالله وقتل النفس بغير حق. [1] وقد حذّر الإسلام من الزنا بشكل صريح في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، كما اجتمعت كلمة العلماء على حرمته.
ورد في القرآن الكريم قوله -تعالى-:
>(وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا). [2]
كما روى عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ قالَ: قُلتُ له: إنَّ ذلكَ لَعَظِيمٌ، قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ مَخافَةَ أنْ يَطْعَمَ معكَ قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ). [3]
وأجمع المسلمون على حرمة الزنا، ولا خلاف بينهم في ذلك. [4]
للزنا درجات متفاوتة في حرمتها، كما يُشكّل خطرًا كبيرًا على الفرد والمجتمع. يؤدي الزنا إلى اختلاط الأنساب، وضياع حقوق الميراث، كما أنه سبب رئيسي لانهيار الأسرة، مما يؤدي إلى ضياع الأبناء وتشتتهم، وتردّي سلوكهم. [6]
عقوبة الزنا في الإسلام
تختلف عقوبة الزنا باختلاف حالة الزاني، فلكل حالةٍ عقوبةٌ محددة في الإسلام.
عقوبة الزاني البكر غير المحصن
حدّ الزاني البكر غير المحصن -الذي لم يسبق له الزواج- هو الجلد، لقول الله -تعالى-:
>(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). [7]
والحكم بالجلد على الزاني البكر غير المحصن هو حكم بإجماع العلماء. [9]
عقوبة الزاني المحصن
الزاني المحصن -الذي سبق له الزواج- حدّه الرجم بالإجماع، [10] ودليل الرجم الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله -رضيَ الله عنه-:
>(أنَّ رَجُلًا مِن أسْلَمْ، أتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَحَدَّثَهُ أنَّه قدْ زَنَى، فَشَهِدَ علَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فأمَرَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُجِمَ، وكانَ قدْ أُحْصِنَ). [11]
وتكون العقوبة هي الرجم حتى الموت، سواء أكان الزاني رجلاً أم امرأة. [12]
يُذكر هنا أنّ من وقع في أحد المحرمات التي تُوجب العقوبة عليه الستر على نفسه والتوبة إلى الله -سبحانه وتعالى- توبة نصوح. ولا يحق لأحد التّجسس عليه. ولا يتم تنفيذ العقوبة المقررة شرعاً عليه إلا في حال وصول أمره إلى الحاكم أو من ينوب عنه، سواءً أكان ذلك من خلال إقرار الشخص على نفسه، أو من خلال الشهود إن كان الأمر قد تم علناً. في هذه الحالة يتم تنفيذ العقوبة عليه إذا تحققت كافة الشروط. [13]
شروط تطبيق عقوبة الزنا
يُشترط في إقامة حد الزنا مجموعة من الشروط، منها ما اتفق عليه العلماء ومنها ما اختُلف فيها.
شروط متفق عليها
تُعدّ هذه الشروط من الشروط الأساسية لتطبيق حد الزنا:
* وصول الزاني إلى سن البلوغ؛ فلا حدّ على الصّبي إن زنا بالاتّفاق.
* أن يكون الزاني عاقلاً؛ فلا حدّ على المجنون اتفاقاً، وإن كان أحدهما مجنوناً والآخر عاقلاً؛ فالحدّ على العاقل دون المجنون.
* دخول حشفة -ما يكون في عضو الرجل ويظهر بعد الختان- [16] الذّكر في فرج المرأة. [17]
* علم الزّاني بتحريم الزّنا. [17]
* ثبوت الزّنا على الزّاني، [18] دون أي شبهة، [17] ويكون ذلك إما من خلال إقرار الشخص على نفسه، أو من خلال وُجود أربعة شُهود يشهدون على واقعة الزنا، وأنَّهم قد شاهدوا ذلك بأعينهم.
* لا يُقام حد الزنا إن تخلّف أحد الشُهود عن الشهادة، لِقولهِ -تعالى-:(لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ). [19]
* وتجدر الإشارة إلى أنَّ الشهادة على الزنا لا تكون إلّا من الرجال، ويُشترط أيضاً أن يكونوا مُسلمين.
* في حال كان ثبوت الجريمة من خلال إقرار الشخص على نفسه لا بد من عرض القاضي عليه إعادة النظر في إقراره، ويحاول القاضي التأكد من أنَّ الزنا هو الذي وقع وليس مجرد مقداماته، فقول له مثلاً: “لعلك قبَّلت أو لمست”، ولو عاد الشخص عن إقراره بعد صُدور الحُكم عليه يسقط عنه الحدّ.
* قيام الزّنا بآدميّة، حيث إن الزاني بالبهيمة لا حدّ عليه بالاتّفاق، لكنه يُعزّر على فعلته. [15]
شروط مختلف فيها
توجد بعض الشروط التي اختلف فيها الفقهاء، وهي كالآتي:
* اشتراط المالكيّة للزّاني أن يكون مسلماً، وعند الجمهور لا يشترط ذلك؛ إذ يُقام على الكافر أيضاً حدّ الزّنا.
* الاختيار في الزّنا، أمّا المُكره عليه فعند الجمهور لا حدّ عليه، وعند الحنابلة عليه الحدّ، والمرأة الزّانية المكرهة أو التي اغتُصبت فلا حدّ عليها.
* الزّاني باللّواط اختلف فيه الفقهاء؛ فذهب الجمهور من المالكيّة، وأحد القولين عند الشافعيّة، وفي رواية عند أحمد إلى قيام حدّ الرّجم عليه سواءً أكان محصناً أم غير محصن؛ وذلك لأنّ الله -تعالى- عذّب قوم لوط بالرّجم، بينما ذهب الشافعيّ في قوله المشهور، والرّواية الأخرى عند أحمد، وأبي يوسف، ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى قيام حدّ الزّنا على المحصن بالرّجم، وعلى غير المحصن بالجلد، وذهب أبو حنيفة إلى التّعزير دون قيام الحدّ، وإن تكرّر الفعل يُقتل من باب السياسة الشرعيّة. [20]
* قيام الزنا بالحيّة، فإن كانت ميتة فلا حدّ عند الجمهور ومنهم المالكيّة في غير المشهور عندهم، أمّا في المشهور عند المالكية يطبق الحدّ على الزّاني بالميتة أيضاً. [17]
المراجع
- محمد التويجري (2009)،موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة 1)، السعودية :بيت الأفكار الدولية، صفحة 115، جزء 5. بتصرّف.
- سورة الإسراء ، آية:32
- رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:86، صحيح .
- كمال السيد سالم (2003)،صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة :المكتبة التوفيقية ، صفحة 21-23، جزء 4. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين ،الموسوعة الفقهية، صفحة 214. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (1424)،الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 364. بتصرّف.
- سورة النور ، آية:2
- وهبة الزحيلي ،الفقه الإسلامية وأدلته(الطبعة 4)، سورية :دار الفكر ، صفحة 5362، جزء 7. بتصرّف.
- أبعبد العزيز الأحمدي (2004)،اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية(الطبعة 1)، المدينة المنورة :عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 101، جزء 2. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي ،الفقه الإسلامي وأدلته(الطبعة 4)، سورية :دار الفكر ، صفحة 5364، جزء 7. بتصرّف.
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:6814، صحيح .
- سيد سابق (1977)،فقه السنة(الطبعة 3)، بيروت :دار الكتاب العربي، صفحة 408، جزء 2. بتصرّف.
- المناوي،كتاب فيض القدير(الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 155، جزء 1. بتصرّف.
- الملا على القاري (2002م)،كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الفكر، صفحة 2343، جزء 6. بتصرّف.
- “تعريف ومعنى حشفة في معجم المعاني الجامع”،www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-3-2021. بتصرّف.
- أبتثعبد الله الطيار (2011)،الفقه الميسر(الطبعة 1)، الرياض:مدار الوطن ، صفحة 125، جزء 7. بتصرّف.
- محمد المختار الشنقيطي ،شرح زاد المستقنع، صفحة 5. بتصرّف.
- سورة النور، آية: 13.
- عبد الله الطيار (2011)،الفقه الميسر(الطبعة 1)، الرياض:مدار الوطن، صفحة 125-126، جزء 7. بتصرّف.
- عبد الله الطيار (2011)،الفقه الميسر(الطبعة 1)، الرياض:مدار الوطن، صفحة 125-126، جزء 7. بتصرّف.