أحاديث عن ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم

تُظهر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضحكه جانبًا من شخصيته الإنسانية، وكيف كانت روحه مُشرقة رغم تحملها مسؤولية عظيمة. نتطرق في هذا المقال إلى بعض هذه الأحاديث، ونتعرف على سياقها ونستخلص بعض الدروس والعبر منها.

جدول المحتويات

لحظات من النور: ضحك النبي مع رعيته

تُظهر بعض الأحاديث عن ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مع رعيته جانبًا لطيفًا من شخصيته، وكيف كانت روحه مُشرقة رغم تحملها مسؤولية عظيمة. نتعرف على بعض تلك القصص ونستخلص بعض الدروس منها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يُحدِّثُ وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِن أهْلِ البَادِيَةِ: أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ في الزَّرْعِ، فَقالَ له: أوَلَسْتَ فِيما شِئْتَ؟ قالَ: بَلَى، ولَكِنِّي أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، فأسْرَعَ وبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ واسْتِوَاؤُهُ واسْتِحْصَادُهُ وتَكْوِيرُهُ أمْثَالَ الجِبَالِ، فيَقولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يا ابْنَ آدَمَ، فإنَّه لا يُشْبِعُكَ شيءٌ، فَقالَ الأعْرَابِيُّ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَجِدُ هذا إلَّا قُرَشِيًّا أوْ أنْصَارِيًّا، فإنَّهُمْ أصْحَابُ زَرْعٍ، فأمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ.) [١]

يُظهر هذا الحديث كيف كان النبي يُضحك من الطرافة البسيطة في كلام الرجل البدوي، معبراً عن تواضعه وتقبله للجميع دون تمييز، وكأنه يُذكّرنا أن النكات البسيطة والحياة اليومية تحمل في طياتها مشاعر إنسانية جميلة.

وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (دخَلَ أعرابيٌّ المَسجِدَ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسٌ، فقال: اللَّهمَّ اغفِرْ لي ولمُحمدٍ، ولا تَغفِرْ لأحَدٍ معنا. فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: لقد احتظَرتَ واسِعًا. ثم ولَّى حتى إذا كان في ناحيةِ المَسجِدِ فشَجَ يَبولُ، فقامَ إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: إنَّما بُنيَ هذا البَيتُ لذِكْرِ اللهِ والصَّلاةِ، وإنَّه لا يُبالُ فيه. ثم دعا بسَجْلٍ مِن ماءٍ، فأفرَغَهُ عليه، قال: يَقولُ الأعرابيُّ بَعدَ أن فَقِهَ: فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليَّ، بأبي هو وأُمِّي، فلم يَسُبَّ، ولم يُؤَنِّبْ، ولم يَضرِبْ.) [٢]

رغم غرابة تصرف الرجل البدوي، لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوبخه، بل ضحك من تصرفه، ثم تعامل معه بلطف وحكمة، ووجهه إلى الصواب بهدوء. يُذكّرنا هذا الموقف بأهمية الصبر والرحمة في التعامل مع الناس، حتى مع أولئك الذين يرتكبون أخطاء.

الصداقة والتسامح: ضحك النبي مع أصحابه

تُظهر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضحكه مع أصحابه علاقة الصداقة والتسامح القوية التي كانت تجمعهم، وكيف كانت هذه العلاقة تُشكل جزءًا هامًا من حياتهم اليومية.

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: (إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، وآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْها، رَجُلٌ يُؤْتَى به يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: اعْرِضُوا عليه صِغارَ ذُنُوبِهِ، وارْفَعُوا عنْه كِبارَها، فَتُعْرَضُ عليه صِغارُ ذُنُوبِهِ، فيُقالُ: عَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، وعَمِلْتَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، فيَقولُ: نَعَمْ، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْكِرَ وهو مُشْفِقٌ مِن كِبارِ ذُنُوبِهِ أنْ تُعْرَضَ عليه، فيُقالُ له: فإنَّ لكَ مَكانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فيَقولُ: رَبِّ، قدْ عَمِلْتُ أشْياءَ لا أراها هاهُنا. فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ.) [٣]

في هذا الحديث، يُخبرنا النبي عن رؤية يراها في المنام، حيث يرى رجلاً يُعْرض عليه حسناته ليُعفى من سيئاته، ويُضحك النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المشهد، ويبين لنا أن رحمة الله واسعة.

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (ضَحِكَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْنا: ما يُضحِكُكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: عَجِبتُ مِن قَومٍ يُقادونَ في السَّلاسلِ إلى الجنَّةِ.) [٤]

يُظهر هذا الحديث كيف كان النبي يُضحك من فرحه بمصير المؤمنين يوم القيامة، وكيف كانت روحه مُشرقة مع تفكيره بالمستقبل. يُذكرنا هذا بضرورة التفاؤل والرجاء، حتى في أوقات الشدائد.

الحب والتقدير: ضحك النبي مع زوجاته

تظهر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضحكه مع زوجاته، الجانب الرومانسي والعاطفي من شخصيته، وكيف كان يُعطي أهمية لتقوية روابط الحب والود في بيته.

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (أنّها كانت مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ وهي جاريةٌ- قالت: لم أحملِ الَّلحمَ ولم أُبدُنْ- فقال لأصحابه: تقدَّموا فتقدَّموا ثم، قال: تعالَيْ أُسابقُك فسابقتُه، فسبقتُه على رجليَّ فلما كان بعدُ (وفي روايةٍ فسكت عني حتى إذا حملتُ اللحمَ وبدُنتُ ونسيتُ ) خرجتُ معه في سفرٍ فقال لأصحابِه تقدَّموا فتقدَّموا ثم قال : تَعالَيْ أسابقُك ونسيتُ الذي كان وقد حملتُ اللحمَ فقلتُ كيف أُسابقُك يا رسولَ اللهِ وأنا على هذا الحالِ ؟ فقال : لَتفْعَلِنَّ فسابقتُه فسبقَني فجعل يضحكُ وقال : هذه بتلكَ السَّبقةِ.) [٥]

يُظهر هذا الحديث كيف كان النبي يُضحك من خفة ظله مع زوجته، وكيف كان يُشاركها لحظات من المرح واللعب، متجاوزًا الفوارق العمرية، ليُذكّرنا أن التواصل والحب لا يعرفان حدودًا.

تبسمٌ ناصع: صفة ضحك النبي

وصفت صفة ضحك النبي صلى الله عليه وسلم في الكثير من الروايات، فكان ضحكه تبسمًا لطيفًا يُضيء وجهه ويُنشر البهجة حوله. يُذكرنا ذلك بأهمية التبسم كأحد صفات الأخلاق الحميدة.

عن عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما كانَ ضحِكُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إلَّا تبسُّماً.) [٦]

من خلال هذه الروايات، نستطيع أن نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحب الضحك والتواصل مع الناس، وكان يُشعر من حوله بالأمان والراحة.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7519، صحيح.
  2. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:10533، صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:190، صحيح.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:22148، صحيح.
  5. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1/254، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن الحارث، الصفحة أو الرقم:3642، صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحاديث عن فضل صلة الرحم

المقال التالي

أحاديث عن طلب العلم

مقالات مشابهة