جدول المحتويات
نزار قباني: شاعر الأمومة والوطن
نزار توفيق القباني، شاعر سوري معاصر، ولد في دمشق وبدأ مسيرته في مجال الشعر خلال حقبة زمنية تشهد تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة. تتميز أشعاره بأسلوبها العاطفي وتركيزها على مشاعر الحب والحياة، لا سيما في موضوع الأمومة.
بعد حصوله على شهادة جامعية، التحق بالعمل الدبلوماسي لسنوات، جاعلاً من نفسه صوتاً مسموعاً في محافل دولية مختلفة. لكنه سرعان ما قدم استقالته من هذا العمل، ليركز جهوده على إبداعه الشعري الذي أصبح علامة بارزة في عالم الأدب العربي.
أصدر ديوانه الأول بعنوان “قالت لي السمراء”، الذي حظي باهتمام كبير من النقاد والجمهور. وفي هذا المقال، نستعرض بعض قصائده الراقية التي خلدت دور الأم وجمالها في الحياة.
قصيدة “صباح الخير يا حلوه”: رحلة الابن إلى الأم
تُعد قصيدة “صباح الخير يا حلوه” واحدة من أجمل القصائد التي كتبها نزار قباني عن الأم. تُجسد هذه القصيدة رحلة الابن بعيداً عن وطنه وأمه، لكنّه يظل متصلاً بمشاعر الأمومة التي تُرافقه في كلّ خطواته. يصف نزار في هذه القصيدة شعوره بالغربة والوحشة، وكيف يُحاول العثور على امرأة تُشبه أمه في حنانها ورعايتها.
تتضمن القصيدة العديد من المشاهد التي تُظهر حب الابن لأمه وتقديره لجمالها. تُبرز القصيدة معانيً جميلة عن الرواية التي تُعيش في قلوب الأبناء عن أُمّهاتهم، وتُؤكّد على الرابطة الودودة التي تُجمع بينهم.
ويقول نزار في هذه القصيدة:
“صباح الخير يا حلوه..صباح الخير يا قدّيستي الحلوه
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافيّه
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسه
طرابيناً من النعناع والزعتّر
وليلكةً دمشقيّة..
أنا وحدي..دخان سجائري يضجّر
ومني مقعدي يضجّر
وأحزاني عصافيرٌ..تفتش (بعد) عن بيدر
عرفت نساء أوروبا..
عرفت عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب..
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفّر
ولم أعثر..على امرأة تمشّط شعري الأشقّر
وتحمل في حقيبتها..إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
أيا أمي..أيا أمي..
أنا الولد الذي أبحّر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
كيف.. فكيف يا أمي
غدوت أباً..ولم أكبر؟
”
قصيدة “تركتني ها هنا بين العذاب”: رحلة الوداع
تُعدّ قصيدة “تركتني ها هنا بين العذاب” للشاعر عبدالله البردوني، واحدة من القصائد المؤثرة التي تُجسد مشاعر الابن بعد فقدانه لأمه. يستخدم البردوني لغة عاطفية قوية لوصف الألم والحزن الذي يسيطر على روحه بعد رحيل أمه.
يصف البردوني ذكرياته الجميلة مع أمه، ويُعبّر عن حزنه الشديد لفقدانه لها. تُجسد القصيدة معاني عميقة عن الرابطة المقدسة التي تُجمع بين الأم وابنها، وتُبرز حزن الأبناء بعد رحيل أُمّهاتهم اللواتي يُمثّلن نبع الحب والدفء في حياتهم.
يقول البردوني في هذه القصيدة:
“تركتني ها هنا بين العذاب
ومضت، يا طول حزني واكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا
واستراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور ولا بغي ولاذرّة تنبي وتنبي بالخراب
حيث لا سيف ولا قنبلة
حيث لا حرب ولا لمع حراب
حيث لا قيد ولا سوط ولاظالم يطغى ومظلوم يحابي
خلّفتني أذكر الصفو كما
يذكر الشيخ خيالات الشباب
ونأت عنّي وشوقي حولها
ينشد الماضي وبي – أوّاه – ما بي
ودعاها حاصد العمر إلى حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني
غير صمت القبر والقفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه
وحياتي بعدها فوق مصابي
أين منّي ظلّها الحاني وقد
ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على
لفحة البيد وأشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن
مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها
فاطمأنّت تحت أستار الغياب
آه “يا أمّي” وأشواك الأسى
تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي والصبا
وانطوت خلفي حلاوات التّصابي
كيف أنساك وذكراك على
سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي وعلى
وجهتي حيث مجيئي وذهابي
كم تذكّرت يديك وهماً
في يدي أو في طعامي وشرابي
كان يضنيك نحولي وإذا
مسّني البرد فزنداك ثياب
وإذا أبكاني الجوع ولم
تملكي شيئاً سوى الوعد الكذّاب
هدّت كفاك رأسي مثلما
هدّدت الفجر رياحين الرّوابي
كم هدّتني يدم السمرا إلى
حقلنا في (الغول) في (قاع الرحاب)
وإلى الوادي إلى الظلّ إلى
حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
وسواقي النهر تلقي لحنها
ذائباً كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا وكم دلّلتني
تحت صمت اللّيل والشهب الخوابي
كم بكت عيناك لمّا رأى
بصري يطفا ويطوي في الحجاب
وتذكّرت مصيري والجوى
بين جنبيك جراح في التهابها
أنا يا أمّي اليوم فتى
طائر الصّيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحناً وصدى
وتغنّى في رُبا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي
من وراء القبر كالحورا الكعابها
أنا يا أمّ أرثيك وفي
شجو هذا الشعر شجوي وانتحابي.
”
قصيدة “أمي تسائلني تبكي من الغضب”: التساؤلات عن الوطن
قصيدة “أمي تسائلني تبكي من الغضب” للشاعر عبد الرحمن العشماوي تُجسد حواراً مؤثراً بين أم و ابنها عن الوطن والألم الذي يعيشه. تُعبّر الأم في القصيدة عن حزنها وخوفها على مستقبل وطنها، وتُطرح أسئلة صعبة عن أسباب المعاناة التي تُصيب الشعب.
تُظهر القصيدة مشاعر الأمومة الصادقة والحُب العميق للأرض والوطن، كما تُعكس ألم الأبناء الذين يشهدون انحدار بلادهم وتدهور ظروف العيش فيها.
يقول العشماوي في هذه القصيدة:
“أمي تسائلني تبكي من الغضب
ما بال أمتنا مقطوعة السببِ؟!
ما بال أمتنا فلّتْ ضفائرها
وعرّضت وجهها القمحيّ للّهبِ؟!
ما بال أمتنا ألقت عباءتها
وأصبحت لعبة من أهون اللّعَبِ؟!
ما بال أمتنا تجري بلا هدف
وترتمي في يدي باغ ومغتصبِ؟!
ما بال أمتنا صارت معلّقةً
على مشانق أهل الغدر والكذبِ؟!
ما بالُها مزّقت أسباب وحدتها
ولم تُراع حقوق الدين والنّسَبِ؟!
أمي تسائلني والحزن يُلجمن
بني مالك لم تنطق ولم تُجبِ؟!
ألست أنت الذي تشدوا بأمتنا
وتدّعي أنها مشدودة الطُّنبِ؟!
وتدعي أنها تسمو بهمتها
وتدعي أنها مرفوعة الرتبِ؟!
بني، قل لي، لماذا الصمت في زمن
أضحى يعيش على التهريج والصّخبِ؟!
أمّاه .. لا تسألي إني لجأت إلى
صمتي، لكثرة ما عانيت من تعبي
إني حملت هموماً، لا يصورها
شعر، وتعجز عنها أبلغ الخطب ِ
ماذا أقول وفي الأحداث تذكرة
لمن يعي، وبيان غير مقتضبِ
تحدّث الجرحُ يا أمّاه فاستمعي
إليه واعتصمي بالله واحتسبي.
”
قصيدة “حزيناً عِشْتُ يا أُمِّي”: الفقر والحب في عالم مضطرب
تُعدّ قصيدة “حزيناً عِشْتُ يا أُمِّي” للشاعر عبد العزيز جويدة قصيدة صريحة تُعبّر عن مشاعر الحزن واليأس التي تسيطر على الشاعر. تُجسد القصيدة حياة الفقراء ومعاناتهم اليومية.
يتناول جويدة موضوع الحب والتضحية في مجتمع مُحاط بالمصالح والفساد. تُظهر القصيدة كيف أنّ الحب الحقيقي قد أصبح فريسة للمصالح الدنيا، وتُعكس معاناة الشاعر في مواجهة واقع مرير يُحطّم آمال الشعب ويُفقده ثقة في المستقبل.
يقول جويدة في هذه القصيدة:
“حَزيناً عِشْتُ يا أُمِّي على الفُقراءْ
تُبَلِّلُ خُبزَها دَمعًا لِتأكُلَهُ
صَباحَ مَساءْ
حَزيناً حينَ ألمَحُهُم ْ
فلا حُلْمٌ بِأعْيُنِهِم
ولا حتَّى
بَصيصُ رَجاءْ
فَهُمْ يَأتونَ للدنيا
ويَمضونَ ..بِلا أضواءْ
لِفرْطِ سُكونِهِم تَنسَى …
تَظُنُّ بأنهم موتَى
وَهُمْ أحياءْ
حَزيناً عِشْتُ يا أُمي
أرَى الفُقراءَ عُشَّاقًا
ولا يَدرونْ ..بأنَّ الفقرَ للعُشَّاقِ مِقْصَلَةٌ
وَمَهما قَاوَموا مَهما ..سَيَمتَثِلونْ
وبينَ جُروحِهم يَومًا
وبينَ دُموعِهِم دَومًا ..سيغتَسِلونْ
لأنَّ الفقرَ عَلَّمَهُم
بأنَّ عُيونَهم خُلِقتْ
وَهُم يَبكونْ
حَزيناً عِشْتُ يا أمّاهُ والدنيا”غَوَتْنا” كُلَّنا حتى ..عَشِقناها عَنِ الأُخرَى
فكيفَ أعيشُ يا أمي
وحُبِّي كُلُّهُ زَيْفٌ
وعُمري قد غَدا كُفرًانٌ
فوسُ الناسِ قد مَرِضَتْ
وداءُ الحِقدِ يُستَشْرَى
قُلوبُ الناسِ قد فَسدتْ
وتلكَ مُصيبَةٌ كُبرَى
حَزيناً عِشْتُ يا أمي
لأنًّ الحبَّ تَسجِنُهُ مَصالحُنا
فإنْ كانتْ لنا إرَبٌ
تُقرِّبُنا مَطامِحُنا
ولماَّ نَنتهي مِمَّا
أرادتْهُ ..جَوارِحُنا
على عَجَلٍ بلا خَجَلٍ
أمامَ الناسِ نُعْلنُها
ونَبدأُ في مَذابِحِنا
حَزيناً عِشْتُ يا أمي
لأني ما نَطَقْتُ الحَقَّ في يومٍ
وقُلتُ بصوتيَ العالي:
أنا المسجونُ في فَقري
وفي قَهري، وأغلالي
أنا المَكبوتُ من زَمَنٍ
ويُسْهِبُ سادَتي الحُكَّامُ
في قََمعي ..وإذلالي
فَمَعذرةً إذا يومًا فَتحْتِ البابَ يا أمي
فلم تَجدي ـ كَعادَتِكِ ـ
وراءَ البابِ مِرساليف
حُكَّامي هُنا قَتَلوا
جَميعَ حَمَامِيَ الزَّاجِلْ
وداسوا فَوقَ أمثالي
حَزيناً عِشْتُ يا أمي
لأنَّ الحقَّ
أصبحَ بيننا ضائعْ
وَكُلٌ قد غّدا لِصًّا
أتانا ..يافِعًا، يانِعْ
أشْرَفُ أشرفِ الناسِ ..لدينا..طالِبٌ جائعْ
فَسيفُ الحقِّ لم يُشحَذْ
لذلكَ لم يَعُدْ قاطِعْ
كيفَ أنامُ يا أمي
وما للصِّ من رادِعْ
حَزيناً عِشْتُ يا أمي
ومُشتاقًا يَجيءُ زَمانْ
أُحطِّمُ فيهِ أوثاني
وأكسِرُ فيهِ قُضباني
وأهدِمُ سِجنيَ العالي على السَّجانْ
ويَومي ما أتَى بَعْدُ
ولا أدري بِأيِّ زَمانْ
يُجلْجِلُ وَقْتَها صَوتي
وصوتي كُلُّهُ حُمَمٌ من البُركانْ
أنا يا سادَتي الحُكَّامَ إنسانٌ
أنا إنسانْ.
”
قصيدة “أمّاه معذرة”: نداء الابن لأمه
تُعدّ قصيدة “أمّاه معذرة” للشاعر رياض بن يوسف قصيدة رائعة تُجسد نداء الابن لأمه من رحلة العذاب والحياة الصعبة. يُعبّر رياض في هذه القصيدة عن شعوره بالحزن والتعب في رحلته الحياتية الذي تُمثّل الأم نبع الحب والأمل فيها.
يستخدم رياض لغة جميلة في وصف مشاعره، ويُبرز حاجة الأبناء للراحة والتأمل في حضن أُمّهاتهم. تُظهر القصيدة الجمال الروحي للأم والتأثير العظيم لوجودها في حيات أبنائها.
يقول رياض في هذه القصيدة:
“أمّاه معذرة.. قد لزَّني الضجّر
وقد تبطنني الصبّار والصبِر
أمّاه معذرة قد خانني حلمي
وقد تكدر في أغصانه الثمر
أمّاه معذرة فالدرب آلمني
ومزّق الخطوَ مني الشوك والحفر
أمّاه معذرة إن المدى ظُلَمٌ
فقد توسّده هذا الورى البقر
ماذا أُغنّي وقد ضيّعتُ حنجرتي
وقد تقطّعت الآهات والوتر؟
ماذا أحوك سوى أسمال قافية
لجَّ الدُجى في رؤاها غامت الصور؟!
لا نورٌ يُسعفني إلاكِ يا ألق
من مقلتيه هما في خلوتي الشجر
لا نورُ غيرك في أضواء زيفهمُ
تبْكي على كتفيه الشمس والقمر
أمّاه معذرة فالله يشهد لي
لمْ أنسَ، هل يتناسى غيمَهُ المطر؟!
هل يترك السمك الفضيّ موطنه؟
هل يهجر النهرُ مجراه وينتحر؟!
أمّاه! لازلتِ ينبوعاً يُغَسِّلني
لا زال من ديمتيْكِ الماء ينهمر
لازلتُ طفلاً صغيراً مُمْحِلاً ويدي
جدباءُ تبكي وتستجدي وتعتذرأمّاه معذرة بل ألف معذرة
جفّ اليراع وقلبي قلْبُهُ سقرُ!
ضُمّي ارتعاشي وضُمّي وجه معذرتي
لينْتهي في مدى أحضانك السفرُ!
”