فهرس المحتويات:
مكانة الحيوانات في الشريعة الإسلامية
تحظى الحيوانات بمكانة خاصة في الشريعة الإسلامية، حيث تعتبر جزءاً من المخلوقات التي سخرها الله تعالى للإنسان. القطط والكلاب تعد من بين الحيوانات الأكثر شيوعاً كحيوانات أليفة في المنازل. ويرجع هذا الانتشار إلى سهولة التعامل معها وقابليتها للترويض، إضافة إلى إمكانية الاستفادة منها في جوانب معيشية مختلفة، كالاستعانة بالكلاب في الحراسة، والقطط في مكافحة القوارض.
وقد وردت نصوص شرعية عديدة تحث على الرفق بالحيوان والعناية به، بما في ذلك القطط. يثير ذلك تساؤلات حول جواز بيع القطط في الإسلام، وهل يوجد نهي شرعي عن ذلك؟ وما هي الحكمة من هذا النهي إن وجد؟ سنتناول هذه التساؤلات من خلال عرض آراء العلماء وأدلتهم، مع توضيح بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بالقطط وتربيتها وفقاً للشريعة الإسلامية.
أحكام حول بيع القطط
تباينت آراء الفقهاء قديماً وحديثاً حول حكم بيع القطط. بعضهم ذهب إلى تحريمه، بينما أجازه البعض الآخر. فيما يلي تفصيل لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة، مع توضيح الأسس التي استند إليها كل فريق:
القول بتحريم بيع القطط
يرى بعض العلماء أن بيع القطط غير جائز شرعاً. ومن بين هؤلاء العلماء الإمام ابن حزم الظاهري، والإمام أحمد بن حنبل في رواية منقولة عنه، وكذلك نُقل هذا الرأي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- كما ذكره ابن المنذر. يستند هؤلاء العلماء في تحريمهم لبيع القطط إلى حديث نبوي شريف ورد في صحيح مسلم، حيث روى أبو الزبير أنه قال:
“(سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ)”
كما ورد في السنن عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنه قال:
“(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ)”
وقد ذكر ابن القيم أن أبا هريرة -رضي الله عنه- أفتى بتحريم بيع القطط، وهو مذهب طاووس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد. واعتبر ابن القيم هذا الرأي هو الصواب استناداً إلى صحة الحديث وعدم وجود ما يعارضه. وأشار ابن المنذر إلى أنه “إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه – يعني بيع القطط – فبيعه باطل، وإلا فجائز”.
القول بجواز بيع القطط
يجيز جمهور العلماء بيع القطط، ومن بينهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل في رواية أخرى عنه. ويستند هذا الرأي إلى عدة نقاط:
- الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص قاطع بالتحريم. ولم يرد في الشرع نهي صريح وقاطع عن بيع القطط.
- النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم محمول على بيع القطط المتوحشة التي قد تسبب ضرراً للناس، وبالتالي فإن النهي خاص بنوع معين من القطط وليس شاملاً للجميع.
- الانتفاع بالقطط وتربيتها جائز شرعاً، وبالتالي فإن بيعها جائز أيضاً، طالما أن الأصل هو الإباحة.
- القطط تعتبر طاهرة في أصلها، قياساً على غيرها من الحيوانات التي يجوز بيعها والانتفاع بها.
- النهي الوارد في الحديث قد يكون المقصود به الكراهة التنزيهية وليس التحريم.
إضافة إلى ذلك، يرى البعض أن بيع القطط يصبح غير جائز إذا كان الهدف منه الترفيه والتباهي، وإنفاق الأموال الطائلة في هذا السبيل، حيث يعتبر ذلك من الإسراف والتبذير.
أحكام تربية القطط في الإسلام
يجوز للمسلم أن ينتفع بالمباحات ويتملكها ما لم يسبقه أحد إلى ذلك. يشمل ذلك تربية القطط والاستئناس بها، شريطة عدم الاعتداء على حقوق الآخرين، كأن تكون القطط مملوكة لشخص آخر، أو أن تكون مريضة بمرض معدي يضر بالناس. إذا لم يكن هناك مانع شرعي، فلا بأس في تربية القطط مع الالتزام بإطعامها وسقيها وعدم تعذيبها. وإذا عجز الشخص عن إطعامها، فعليه تركها لتعتمد على نفسها.
مع ذلك، لا يجوز المبالغة في العناية بالقطط وتزيينها والإنفاق عليها بشكل مفرط، لأن الأولى بالمسلم أن يهتم بتوفير احتياجات أسرته، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين. فالمبالغة في تربية القطط تعتبر من الإسراف والتبذير الذي نهى عنه الإسلام.
وتجدر الإشارة إلى أن القطط طاهرة في ذاتها، وأن طهارتها تشمل جميع أجزاء جسدها، بما في ذلك لعابها وفمها. وبالتالي، فإن الإناء الذي تشرب منه القطة أو الطعام الذي تلمسه لا ينجس. ويبقى الخيار لصاحب الإناء أو الطعام، إما أن يأكل أو يشرب منه أخذاً بالأصل في الطهارة، ما لم يثبت وجود ضرر صحي في ذلك، أو أن يتركه ويستبدله بغيره.