أحكام وتعريف إقامة الصلاة

تعريف إقامة الصلاة وأحكامها المتنوعة، وكيفية أدائها الصحيحة، مع ذكر آراء الفقهاء المختلفة في هذا الشأن.

تعريف الإقامة ومكانتها

تُعرَّف إقامة الصلاة بأنها الإعلام الشفوي بالقيام إلى الصلاة بعد دخول وقتها، وهي عبادةٌ ذات أهمية عظيمة في الإسلام. وقد اختلف الفقهاء في حكمها على النحو التالي:

  • السنة المؤكدة: يرى جمهور الفقهاء من المالكيَّة والشافعيَّة والحنفيَّة أن إقامة الصلاة سنة مؤكدة، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة التي يُذمُّ تاركها. وقد استدلوا بقصَّة الأعرابيِّ الذي صلَّى أمام النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فلمَّا انتهى وسلَّم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: (ارجع فصلِّ فإنَّكَ لم تصلِّ). حيثُ صحَّحَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له صلاته ولم يذكر له الإقامة كما ذكر الوضوء واستقبال القِبلة وأركان الصَّلاة المفروضة.
  • فرض كفاية: ذهب الحنابلة إلى أن إقامة الصلاة فرض كفاية على الرِّجال في الصَّلوات الخمس والجُمعة، مُقيمين كانوا أو مسافرين، بحيث إذا أدّاها بعض المُصلِّين سَقَطَ عن البعض الآخر منهم، وإذا تركوها أثموا جميعاً. وقد استدلّوا على ذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجلان يُريدان السَّفر: (إذَا أنْتُما خَرَجْتُمَا، فأذِّنَا، ثُمَّ أقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُما أكْبَرُكُمَا).

صيغة الإقامة وكيفيتها

تُقام الصَّلاة بألفاظٍ مخصوصةٍ يقولها المُقيم وقت دخولِ الصَّلاة، وهذه الألفاظ هي:

الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حيَّ على الصَّلاة حيَّ على الفلاح، قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله.

وقد اختلف الفقهاء في عدد مرات تكرار هذه الألفاظ على النحو التالي:

  • الحنابلة والشافعيّّة: يرون أنَّ كلُّ الألفاظ فُرادى إلّا (قد قامت الصلاة) تُذكر مرَّتين؛ واستدلّوا على ذلك بما صحَّ عن أنس -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمَرَ بلالاً فقال: (أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفَعَ الأذان، وأن يُوتِرَ الإقامة، إلَّا الإقامة). أي أنَّ الإقامة المقصودة في (إلّا الإقامة) هي (قد قامت الصلاة).
  • الحنفيَّة: يرون أنَّ التكبيرات في بدايتها أربع، واثنتان في آخرها، وما بينهما من ألفاظٍ يُذكر مرّتين.
  • المالكيّة: يرون أنَّ ألفاظ الإقامة لا تُكرَّر إلّا التكبيرات فتُذكر مرّتين، وتكون كلمات الإقامة كاملةً عندهم عشر كلماتٍ.

تفصيلات في أحكام الإقامة

تتضمن إقامة الصلاة العديد من الأحكام والآداب التي ينبغي مراعاتها، ومنها:

  • الإسراع والوضوح: أن يُسرع المُقيم في الإقامة مع الحفاظ على وضوح ألفاظها، والجمْعُ بين كلِّ جملتينِ منها بصوتٍ واحدٍ، وذِكرُ الجملةِ الأخيرةِ منها بصوتٍ آخر.
  • الإقامة من المؤذن: أن يُقيم الصَّلاة من أذَّن الأذانَ، واتَّفَقَ جمهور الفقهاء على أنَّها من السنّّة، وقال الحنفيَّة بكراهة أن يقيم شخصٌ غير المؤذِّن إذا تأذّى المؤذِّن من ذلك؛ لأنَّ إيقاع الأذى على مسلمٍ مكروه.
  • مكان الإقامة: أن يقيمَ المُقيم في المكان الذي أذَّن فيه الأذان، وهو سنَّةٌ عند الحنابلة، وقال الشافعيَّة بتغيير مكان الإقامة عن مكان الأذان وخفضُ الصَّوت عنه.
  • إذن الإمام: أن لا تُقام الإقامة حتى يَأْذَن الإمام؛ واستدلّوا على ذلك أنَّ بلالاً -رضي الله عنه- كان يستأذن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حتى يُقيم الصَّلاة.
  • قيام المصلين: أن لا يقوم المُصلّون للصَّلاة قبل أن يقوم المُقيم للصَّلاة أو يَحضُر، واستدلُّوا على ذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فلا تَقُومُوا حتَّى تَرَوْنِي). وقد تعدّدت آراء الفقهاء في وقت قيام المأمومين للصَّلاة على النَّحو الموضَّح فيما يأتي:

    • حسب قدرة المأمومين، سواءً قبل الإقامة أو أثنائها أو بعدها، وهو رأيُ المالكيّة.
    • عند قول المُؤذِّن (حيَّ على الفلاح)، وبعد قيام الإمام.
    • عند قَول المُؤذِّن (قد قامت الصلاة)، وهو رأي الحنابلة.
    • بعد انتهاء الإقامة في حال كان الإمام في المسجد مع المُصلّين، حيثُ يقومُ المأمومُ سريعاً حتى يُحصِّل أجرَ تكبيرةِ الإحرام لبداية الصَّلاة، وهو رأيُ الشافعيّة.
  • شروط المقيم: أن يكون المُقيم قائماً، متطهراً، مستقبلاً القبلة، لا يمشي ولا يتحدث بكلامٍ خارج الإقامة.
  • الفصل بين الإقامة والصلاة: أن لا يفصل المُقيم بين الإقامة والصَّلاة بزمنٍ طويل أو قاطعٍ كوقت الطَّعام، وفي حال طال الزَّمن الفاصل بينهما تُعاد الإقامة.
  • تكبيرة الإحرام: أن يكبِّر الإمام تكبيرة الإحرام فورَ انتهاء الإقامة، وأن لا يفصل بينهما إلّا بما هو سنَّة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كالتَّسوية بين صفوف المأمومين.
  • إقامة المرأة: إنَّ إقامة المرأة تُجزئ في صلاة النِّساء، ولا تجزئ لصلاة الرِّجال إلّا إقامة الرَّجل.
  • المتابعة: أن لا يؤذِّن الناس أو يقيموا فُرادى في حال أذَّن المؤذِّن وأقام، بل يردِّدون وراءه فحسب.
  • تسوية الصفوف: أن يسوِّيَ الإمام صفوف المُصلّين، وينظر يَمنةً ويَسرةً فيقول: (استووا يرحمكم الله)، لقوله -صلى الله عليه وسلّم-: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِن تَمامِ الصَّلاةِ).
  • وضع الأصابع في الأذنين: أن يضع المُقيم للصَّلاة طرفَي إصبعيه السبَّابةَ في أُذُنَيه، وهو قول الحنابلة والشافعيَّة، ويرى الحنفيَّة والمالكيَّة بأنَّه سُنَّة في الأذان لا في الإقامةِ، ولا إثم في تركه.

شروط صحة إقامة الصلاة:

  • أن تكون الإقامة بعددخول وقت الصّلاة المكتوبة والأذان.
  • أن تكون باللغة العربيّة غير مترجمةٍ إلى لغةٍ أخرى.
  • أن تكون مسموعةً لبعض النَّاس في صلاة الجماعة، أمّا المُصلّي المنفرد فيكفي أن يَسمع نَفْسه.
  • أن يُحافظ المُقيم على ترتيب ألفاظ الإقامة وقراءتها متتاليةً مستمرةً بغير انقطاعٍ.
  • أن يتولّى الإقامة شخصٌ واحدٌ لا أكثر.

المصادر

  • التويجري (1430 هـ – 2009 م)،كتاب موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية ، صفحة 887، جزء 2. بتصرّف.
  • مجموعة من المؤلفين (من 1404 – 1427 هـ)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 5-6، جزء 6. بتصرّف.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6667، صحيح.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 630، صحيح.
  • رواه ابن حجر العسقلاني، في موافقة الخبر الخبر، عن عبدالله بن زيد، الصفحة أو الرقم: 1/254، حسن صحيح.
  • أبعبد الرحمن الجزيري (1424 هـ – 2003 م)،كتاب الفقه على المذاهب الأربعة(الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 292، جزء 1. بتصرّف.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 605، صحيح.
  • أبسعيد حوَّى (1414 هـ – 1994 م)،كتاب الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام(الطبعة الأولى)، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 489، جزء 1. بتصرّف.
  • سعيد حوَّى (1414 هـ – 1994 م)،كتاب الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام(الطبعة الأولى)، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 553، جزء 2. بتصرّف.
  • وهبة الزحيلي،كتاب الفقه الإسلامي وأدلته(الطبعة الرابعة)، سوريَّة: دار الفكر، صفحة 718-720، جزء 1. بتصرّف.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 637، صحيح.
  • رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 433، صحيح.
  • عبد الرحمن الجزيري ( 1424 هـ – 2003 م)،كتاب الفقه على المذاهب الأربعة(الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 294، جزء 1. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

رأي الشريعة في إطالة الأظافر

المقال التالي

الأحكام الشرعية لأكل لحوم الحمير وشرب ألبانها

مقالات مشابهة

لباس المرأة المسلمة: أحكام شرعية وأحاديث نبوية

دراسة شاملة لأحكام لباس المرأة المسلمة في الإسلام، استناداً إلى أحاديث الرسول الكريم والآيات القرآنية الكريمة. التعرف على اللباس المناسب أمام المحارم وغير المحارم، وعقوبة التبرج، وشروط اللباس الشرعي.
إقرأ المزيد