فهرس المحتويات
مقدمة عن أهمية النوافل
تعتبر النوافل إضافة قيّمة للإيمان، حيث تمثل وسيلة لتعزيز الصلة بالله -عز وجل-. فالمسلم الذي يحرص على أداء النوافل بجانب الفرائض، يعمق إيمانه ويقويه، ويصبح أكثر قدرة على التحكم في شهواته ورغباته. بدلاً من الانصياع للهوى، يسعى إلى التوافق مع ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال. يسعى المؤمن المخلص إلى رضا الله ومحبته في كل ما يفعل، سواءً كان ذلك من خلال الدعاء، أو تلاوة القرآن بتدبر، أو الإنابة والتوبة عن الذنوب، أو الاستغفار الدائم.
تتنوع النوافل التي يمكن للمسلم أن يتقرب بها إلى ربه، وتختلف في فضلها وأهميتها. تعتبر السنن الرواتب المصاحبة للصلوات المفروضة من بين أفضل هذه النوافل وأعظمها أجراً.
تنقسم النوافل من حيث التوقيت إلى قسمين رئيسيين: النوافل المقيدة بوقت معين، مثل صلاة تحية المسجد وصلاة الضحى، والنوافل المطلقة التي يمكن أداؤها في أي وقت من الليل أو النهار. وقد يكون التطوع والزيادة في الخير عن طريق أفعال لا تصنف كعبادات تقليدية، مثل الإنفاق على المحتاجين الذين لا تجب النفقة عليهم، وسداد ديون الغارمين، وإبراء ذمة المعسرين، وكتابة الوصية لغير الوارث، والوقف، والهبة، والقرض الحسن. كما يمكن أن يكون التطوع في العبادات نفسها، كزيادة عدد الركعات في الصلاة، أو صيام أيام غير مفروضة، أو التصدق بأكثر من الزكاة الواجبة.
النوافل ودورها في كسب محبة الله
تُعدّ النوافل من أبرز الوسائل التي تقود المسلم إلى الفوز بمحبة الله ورضوانه. فالمسلم الموحد الذي يؤدي الفرائض – من صلاة وصيام وزكاة وحج – يبتغي بذلك الثواب ودخول الجنة. أما أداء النوافل بجانب الفرائض، فإنه يعكس نية صادقة وإخلاصاً عميقاً. فالمسلم هنا لا يؤدي النافلة طمعاً في الأجر أو خوفاً من العقاب فحسب، بل يسعى إلى زيادة قربه من الله تعالى ونيل محبته. فالنوافل ليست واجبة على العباد، ولا يترتب على تركها أي عقاب كما هو الحال في الفرائض. لذا، فإن النوافل تعد من أصدق السبل المؤدية إلى محبة الله، حيث يتنفل العبد في الصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات، حتى يصل إلى درجة عالية من تزكية النفس وتطهيرها.
وقد جاء ذكر فضل النوافل في الحديث القدسي الذي يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-:
“ما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”.
فالمسلم الذي يتقرب إلى الله بالنوافل ينال محبته وعونه وتوفيقه في كل أموره. لذلك، يُستحب للمسلم أن يحرص على النوافل ويزيد منها، فهي طريق لنيل محبة الله التي تعتبر أعظم الغايات وأسمى القربات. فمن أحبه الله نال الخير كله، ومن فقد محبة الله فاته الخير كله.
الفوائد المترتبة على الاستمرار في النوافل
يترتب على أداء النوافل الكثير من الفضائل والبركات، من أهمها:
- الحفاظ على الفرائض وحمايتها من النقص: فمن يحرص على أداء النوافل، فإنه بالضرورة سيحافظ على الفرائض. فتعظيم النافلة يؤدي إلى تعظيم الفريضة، والنوافل بمثابة السياج الذي يحمي الفرائض ويصونها من التقصير.
- نيل الأجر العظيم: فقد بينت العديد من الأحاديث النبوية الفضائل العظيمة المترتبة على أداء النوافل. فعن فضل صيام ستة أيام من شوال، قال -صلى الله عليه وسلم-: “من صامَ رمضانَ، ثم أتبعهُ بستٍ من شوالَ، فذلك صيامُ الدهرِ”. وفي فضل ركعتي الفجر، قالت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا”. وفي فضل الصدقة، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ما تَصَدَّقَ أحَدٌ بصَدَقَةٍ مِن طَيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، إلَّا أخَذَها الرَّحْمَنُ بيَمِينِهِ وإنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو في كَفِّ الرَّحْمَنِ حتَّى تَكُونَ أعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كما يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، أوْ فَصِيلَهُ”.
- مغفرة الذنوب، واستجابة الدعاء، وقضاء الحاجات، وكشف الكربات، وإقالة العثرات، ودخول الجنة: ففي فضل صيام يوم عرفة وعاشوراء، قال -صلى الله عليه وسلم-: “صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ”. وفي فضل صلاة النافلة بعد الوضوء، قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا ثُمَّ قامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.
- جبر النقص الذي قد يقع في أداء الفريضة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أولُ ما يُحَاسَبُ به العبدُ صلاتُه، فإن كان أَكْمَلَها وإلا، قال الله عز وجل: انظروا لعبدي مِن تَطَوُّعٍ، فإن وُجِدَ له تطوعٌ، قال: أَكْمِلوا به الفريضةَ”.
نماذج من اهتمام السلف الصالح بالنوافل
لقد كان السلف الصالح يحرصون أشد الحرص على أداء النوافل والاجتهاد في الطاعات. فقد روي عن ابن الإمام أحمد بن حنبل قوله: “كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة”.
ولا شك أن قيام الليل وإحياءه من سنن الصالحين، وقد كانوا فيه مراتب ودرجات، فمنهم من كان يقوم الليل كله، فكان القيام غذاء روحه، وشغف قلبه، وسكينة روحه، وري عطشه، وذلك حال القوي صاحب العزيمة منهم. وقد ورد أن بعض التابعين داوموا على أداء قيام الليل أربعين سنة، ومنهم: سعيد بن المسيب، وصفوان بن سليم، وفضيل بن عياض، ووهيب بن الورد المكيان، ووهب بن منبه، وغيرهم.
وقال حماد بن سلمة واصفاً تنفل أحد السلف الصالح: “ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجنازة، أو قاعداً في المسجد”.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض”.
المراجع
- سعيد بن علي بن وهف القحطاني، عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 207، جزء 1.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 148-149، جزء 12.
- الشيخ عائض القرني، دروس للشيخ عائض القرني، صفحة 255، جزء 27.
- الشيخ أحمد فريد، دروس للشيخ أحمد فريد، صفحة 7، جزء 15.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
- أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (1429)، الداء والدواء (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: عالم الفوائد، صفحة 432، جزء 1.
- مصطفى العدوي، الصحيح المسند من الأحاديث القدسية، مصر: دار الصحابة للتراث، صفحة 180، جزء 1.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي أيوب الأنصاريّ، الصفحة أو الرقم: 759، حسن صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 725، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1014، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 226، صحيح.
- رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 466، صحيح.
- ياسر الحمداني، حياة التابعين، صفحة 152.
- أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، صفحة 359، جزء 1.
- أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 28، جزء 3.
- ابن قيم الجوزية (1996)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 122، جزء 3.