مقدمة
تعتبر مسرحية “الملك هو الملك” للكاتب السوري القدير سعد الله ونوس، علامة فارقة في تاريخ المسرح العربي. وقد كتب هذا العمل في عام 2006، ويقع في 38 صفحة. يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة معمقة لهذه المسرحية، مع التركيز على العناصر الأساسية التي تشكل بنيتها الفنية والفكرية.
معاني العنوان
يحمل عنوان المسرحية “الملك هو الملك” دلالات عميقة. الجملة اسمية، مما يوحي بالثبات والرسوخ، على عكس الجملة الفعلية التي تدل على التغير والحركة. هذا التركيب اللغوي يؤكد على استمرار الملك في منصبه وسلطته، مع استخدام الضمير “هو” لتعزيز هذا التأكيد والثبات.
كلمة “ملك” مشتقة من الفعل “ملك”، وتعني القدرة على الهيمنة والسيطرة. استخدام “أل التعريف” في كلمة “الملك” يضفي على الكلمة معنى التحديد والتميز، ويشير إلى السلطة المطلقة التي يتمتع بها الحاكم.
الأفكار الأساسية
تتضمن المسرحية مجموعة من الأفكار الهامة، منها:
- الحاكم هو السلطة العليا القادرة على فعل ما لا يقدر عليه الآخرون، وهو متمسك بالسلطة ويرفض التنازل عنها.
- الملك على علم بكل ما يجري حوله، ولا يمكن تبرئة الحاكم بحجة جهله بما يفعله المقربون منه.
- المجتمع تحكمه الطبقية، حيث يسيطر شخص واحد، هو الملك، على مقدرات البلاد.
- في نهاية المطاف، يتحول الملك المستبد إلى مجرد دمية خشبية، فالسلطة الحقيقية تكمن في الرموز الخارجية كالعصا والعرش والتاج.
- المسرحية تتناول بشكل مباشر موضوع ظلم الحاكم وفساده، بدلاً من التركيز على حاشيته كما في الأعمال الدرامية السياسية السابقة.
- الحل الأمثل للمظلومين هو تغيير الحاكم الظالم نفسه، وليس مجرد تغيير حاشيته.
- الملك المستبد يلجأ إلى القمع والإرهاب كوسيلة للحفاظ على سلطته، وهو ما عالجه ونوس في مسرحيته.
- وجود الحاكم المتغطرس ليس إلا تلبية لرغبات طبقة معينة في المجتمع.
- الحاشية هي التي تساعد الملك على الظلم، وطالما أنها تدعم سلطته، فإنه لا يكترث بصلاحها أو فسادها.
تحليل الشخصيات
تعتبر الشخصية عنصراً أساسياً في المسرحية، فهي المحرك للأحداث. لقد اهتم ونوس ببناء شخصياته بعناية، ومن أبرز هذه الشخصيات:
- الملك: الشخصية الرئيسية، وهو نرجسي لا يهتم إلا بنفسه. يخترع لعبة للتسلية، لكنها تقوده إلى نهايته، ليكتشف أنه: “عندما يضجر الملك يتذكر أن رعيته مسلية ومليئة بالطاقات الترفيهية”.
- الوزير: شخصية رئيسية، وأكثر فطنة من الملك، يدرك خطورة اللعبة التي اخترعها الملك، ويحاول إقناعه بالعدول عن فكرته.
- الملكة: شخصية ثانوية، لا تعترف بالسلطة إلا لمن يرتدي رداء الملك وتاجه، وعندما يخلع زوجها الرداء، تتنكر له.
- أبو عزة: شخصية ثانوية، تاجر مفلس يحاول عبثاً عيش حياة الثراء.
- أم عزة: شخصية ثانوية، تحاول إخراج العائلة من الأزمة المالية.
- عزة: شخصية ثانوية، فتاة تحاول إيجاد مخرج لحياتها، وتتميز بالذكاء والحكمة.
- عرقوب: شخصية ثانوية، خادم فاسد يستغل فقر أبو عزة ويتزوج ابنته.
- ميمون: شخصية ثانوية، خادم لا يعرف وجه سيده، ويمثل ذوبان الفرد أمام السلطة.
- السياف ومقدم الأمن: شخصيتان ثانويتان، يهتمان بتنفيذ الأوامر فقط.
- الشيخ طه وشهبندر التجار: شخصيتان ثانويتان، تمثلان تحالف القوة الاقتصادية والسلطة الدينية.
- زاهد وعبيد: شخصيتان ثانويتان، تمثلان الفئة التي تحلم بالتغيير.
الحوار المسرحي
يتميز الحوار في المسرحية بالإيجاز، ويعكس الأدوار التي تؤديها الشخصيات. لغة الشيخ تختلف عن لغة الوزير، وتختلف أيضاً عن لغة الملك. وقد استخدم ونوس عبارات قصيرة معبرة، كما في الحوار التالي بين الشهبندر والشيخ طه:
“الشيخ طه والشهبندر معًا: نحن من المحراب ومن السوق نمسك الخيوط، الشيخ طه: خيط يمسك العامة، الشهبندر: وخيط يمسك أسباب الرزق والتجارة”.
الإطار الزماني
الزمن الخارجي للمسرحية هو الزمن الحاضر، عندما يقرر الملك التسلية برعيته. أما الزمن الداخلي، فهو الماضي الذي تستحضره الذاكرة، والمستقبل الذي تعيش فيه الشخصية في الحلم.
مثال على استحضار الزمن الماضي: “ضاقت عيون التجار وعلى رأسهم الشهبندر الأكبر فنصبوا لزوجي مكيدةً فاحشةً ولقلة حيلته لم ينتبه إلا بعد أنْ أوقعوه”.
الفضاء المكاني
تنوعت الأمكنة في المسرحية ما بين أماكن مفتوحة وأخرى مغلقة. الأماكن المفتوحة تتمثل في المدينة، الفضاء العام الذي يلتقي فيه الناس من مختلف الأطياف. أما الأماكن المغلقة، فتشمل القصر الملكي، وبيت أبي عزة، والجامع الذي يصور على أنه برج مراقبة على عامة الشعب.
طبيعة الصراع الدرامي
يتنوع الصراع في المسرحية بين الصراع الساكن، كما في شخصية العبد ميمون، والصراع الصاعد، كما في شخصية أبي عزة. فالملك لا يعود إلى عرشه، ولا أبي عزة يعود إلى وضعه السابق.
اللغة والأسلوب
كتب النص المسرحي باللغة العربية الفصحى، لكن ونوس لم يستخدم نفس المستوى اللغوي في جميع أجزاء المسرحية، بل تدرج بين الفصحى والعامية حسب الشخصية المتكلمة. كما وظف التراث الديني والتاريخي بوضوح في المسرحية، وهيمن السجع على بعض أجزائها.
وقد استخدم ونوس لغة فصيحة قريبة من العامية، وحافظ على العمق الفني للعمل، وكانت العبارات متناسبة مع المواقف، واستطاعت اللغة أن تخدم الهدف المطلوب من المسرحية مباشرة.
العبرة من المسرحية هي أن تغيير الأشخاص في السلطة لا يعني تغيير السلطة نفسها، وأن اتباع الرغبات واتخاذ القرارات دون تفكير مسبق بالنتائج سيضر بصاحبه لاحقا وستكون النتائج وخيمة.
المراجع
- سعد الله ونوس،الملك هو الملك، صفحة 5. بتصرّف.
- أبرابح ذياب،الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 70. بتصرّف.
- أسماء أبو الفتوح،صورة السلطة في مسرح سعد الله ونوس، صفحة 6. بتصرّف.
- رابح ذياب،الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 93 – 104. بتصرّف.
- رابح ذياب،الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 110 – 112. بتصرّف.
- سعد الله ونوس،الملك هو الملك، صفحة 4.
- أبترابح ذياب،الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 122 – 123. بتصرّف.
- سعد الله ونوس،الملك هو الملك، صفحة 31.
- أبرلبح ذياب،الخطاب المسرحي في مسحية الملك هو الملك، صفحة 130 – 133. بتصرّف.
- أبرابح ذياب،الخطاب المسرحي في مسرحية سعد الله ونوس، صفحة 133-136. بتصرّف.
- أبسهام علي،الأنساق الأسلوبية المهيمنة على لغة السرد، صفحة 188. بتصرّف.