لمحة عامة عن السورة
أنزل الله القرآن الكريم ليكون دليلًا للبشرية، يشتمل على الأحكام والتشريعات التي تنظم حياتهم. ومن بين هذه الأحكام، تلك المتعلقة بالزواج، والذي وصفه الله بالميثاق الغليظ. ومع ذلك، قد تنشأ ظروف تجعل استمرار الحياة الزوجية أمرًا صعبًا، مما يؤدي إلى قرار الانفصال. سورة الطلاق هي إحدى السور التي تتناول أحكام هذا الموضوع بالتفصيل.
سورة الطلاق هي سورة مدنية، تقع في الجزء الثامن والعشرين من القرآن الكريم، وهي السورة الخامسة والستون في ترتيب المصحف. تتكون السورة من اثنتي عشرة آية، وتتمحور حول أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية. وقد أطلق عليها اسم “سورة النساء الصغرى” نظرًا لتركيزها على حقوق المرأة في هذا السياق.[1]
المحاور الرئيسة للسورة
تتناول سورة الطلاق عدة قضايا أساسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:[2]
- كيفية احتساب فترة العدة: تحدد السورة كيفية حساب عدة الطلاق، وهي الفترة الزمنية التي يجب على المرأة المطلقة أن تنتظرها قبل الزواج مرة أخرى. بالنسبة للنساء اللاتي يحضن، تكون العدة ثلاثة أشهر. أما الحوامل، فعدتهن تنتهي بوضع الحمل. وبالنسبة للمرأة الكبيرة في السن أو الصغيرة التي لم تبلغ سن الحيض، فعدتها أيضًا ثلاثة أشهر.
- مكان قضاء فترة العدة: يجب أن تقضي المرأة المطلقة فترة العدة في بيت الزوجية، ولا يجوز إخراجها منه أو إلحاق الأذى بها. الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للزوجين للمراجعة، أو لزوال أسباب الخلاف.
- أهمية التقوى في كل جوانب الحياة: تحث السورة على تقوى الله في جميع الأمور، وخاصة في مسائل الطلاق، لما قد يصاحبها من مشاعر سلبية ونزاعات. فمن يتقي الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
- التوكل على الله: يجب على المسلم أن يتوكل على الله في كل شؤونه، وأن يعلم أن الله قدر لكل شيء وقتاً.
- إرضاع الطفل: من واجبات الأم إرضاع طفلها، خاصة إذا لم يقبل إلا ثديها. ولها الحق في الحصول على أجر مقابل ذلك، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. وإذا لم ترضع الأم الطفل، فعلى الأب استئجار مرضعة له، وذلك حسب قدرته.
- أحوال الأمم السابقة: تحذر السورة من مخالفة أوامر الله وتكذيب رسله، وتبين أن ذلك كان سبب هلاك الأمم السابقة وعذابها الشديد.
- تذكير المؤمنين بنعم الله: تذكر السورة المؤمنين بنعم الله عليهم، مثل إرسال الرسل والآيات لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وخلق السموات والأرض، وإنزال الشرائع التي تنظم حياتهم.[2]
قال الله تعالى في سورة الطلاق: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق: 2-3).
تعريف الطلاق
الطلاق في اللغة يعني حل القيد والإطلاق، أما في الشرع فهو حل عقد الزواج بلفظ الطلاق أو ما يقوم مقامه.[3]
الطلاق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. وقد ورد ذكره في الآية الأولى من سورة الطلاق. والطلاق شرع للحاجة، ويكره عند عدم وجود سبب موجب له. ويلجأ إليه بعد استنفاد جميع طرق الإصلاح الأخرى المذكورة في الشريعة الإسلامية.[4]
قال الله تعالى في سورة الطلاق: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا” (الطلاق: 1).
روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”.
أنواع الطلاق في الإسلام
الحد الأقصى لعدد الطلقات في الإسلام هو ثلاث، كما ورد في القرآن الكريم. وينقسم الطلاق إلى نوعين رئيسيين من حيث إمكانية الرجعة:
- الطلاق الرجعي: وهو الطلاق الذي يتيح للزوج إعادة زوجته إلى عصمته خلال فترة العدة دون الحاجة إلى عقد جديد.
- الطلاق البائن: وهو الطلاق الذي لا يتيح للزوج إعادة زوجته إلا بعد انتهاء فترة العدة. وينقسم إلى قسمين:
- بينونة صغرى: وفيها لا يستطيع الزوج إرجاع زوجته إلا بعقد ومهر جديدين، وبشهادة شاهدين.
- بينونة كبرى: وفيها لا يستطيع الزوج إرجاع زوجته إلى الزوجية إلا بعد أن تتزوج من رجل آخر ثم تطلق منه. وقد ذكرت هذه الحالة في سورة البقرة.[5]
المصادر
- ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 211.
- عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن، صفحة 869-872. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 6873.
- وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 6874-6876. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 6955-6956. بتصرّف.