مقدمة عن القرآن الكريم
لقد تجلّت رحمة الله سبحانه وتعالى على البشر بخلقهم على الفطرة السليمة، التي تهديهم إلى الحق وتنير لهم دروب الصواب. وكما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).
ولم يقتصر فضل الله على ذلك، بل أرسل الرسل الكرام لتصحيح المسار، وهداية الناس إلى الخير في الدنيا والآخرة، وتبشيرهم وإنذارهم. قال تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ).
كما أنزل مع الرسل الكتب السماوية لبيان الدعوة وتثبيت أركان الدين. وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، والذي أُنزل عليه القرآن الكريم، آخر الكتب السماوية. وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، حفظ الله القرآن الكريم من أي تحريف أو تبديل، ليكون رسالة للناس أجمعين.
يُذكر أن علماء اللغة اختلفوا في تعريف القرآن لغةً. فقيل إنه مشتق من “قرن الشيء بالشيء”، أي جمعه وضمّه إليه. وقيل إنه مشتق من القرائن، وهي جمع قرينة. وذهب آخرون إلى أنه اسم جامد غير مهموز، كالتوراة والإنجيل. أما تعريف القرآن الكريم اصطلاحاً فهو كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والمتعبد بتلاوته. وقد ذكرت أقوال مختلفة في عدد أسماء القرآن الكريم، حيث قال بعضهم مئة اسم، وقال آخرون أكثر من تسعين اسمًا، بينما ذكر البعض الآخر ستة وأربعين اسمًا فقط. ومن أسماء القرآن الكريم: الذكر، الكتاب، الفرقان، والنور.
شرح وتوضيح آية الكرسي
تُعتبر آية الكرسي أعظم آية في القرآن الكريم، وقد نزلت في المدينة المنورة ليلاً. أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيداً بكتابتها. ذكر محمد بن الحنفية أنه عندما نزلت آية الكرسي، سقطت الأصنام، وخرّ الملوك، وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضها بعضاً حتى أخبروا إبليس بالأمر، فأمرهم بالتحقّق، فجاءوا إلى المدينة المنورة، فوجدوها قد نزلت.
تضمّنت آية الكرسي توحيد الله تعالى وصفاته العلا. ذكر ابن عباس رضي الله عنه أن أشرف آية في القرآن الكريم هي آية الكرسي، وفيما يلي شرح وتفصيل لمعانيها:
قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ)؛ سمّى الله تعالى نفسه بالحيّ، أي الباقي الذي لا يموت، وقيل حيٌّ؛ لأنه يُصرّف الأمور ويُقدّر الأشياء. والقيّوم هو الذي لا يحول ولا يزول كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنه. عرّف الحسن القيّوم: بأنه القائم على كلّ نفس بما كسبت؛ ليجازيها بعملها، فهو عالمٌ بها لا يخفى عليه شيءٌ منها. وقيل الحيّ: هو اسم الله الأعظم، وقيل: بل القيّوم هو اسم الله الأعظم، وكان دعاء عيسى عليه السلام عند إحياء الموتى بإذن الله: (يا حيّ يا قيّوم)، ولمّا أراد سليمان عليه السلام عرش بلقيس، دعا قائلاً: (يا حيّ يا قيّوم)، وكان دعاء أهل البحر إذ خافوا الغرق: (يا حيّ يا قيّوم).
قوله تعالى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ)؛ نفى الله تعالى عن نفسه السِّنة، وهي النعاس في العين، والنوم؛ هو الذي يزول معه الذهن في حقّ البشر. ومعنى ذلك؛ أن الله تعالى لا يدركه خللٌ، ولا يلحقه مللٌ بحالٍ من الأحوال.
قوله تعالى: (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ)؛ أي أنّ كل ما في الكون ملكٌ لله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ)؛ أذن الله تعالى للأنبياء والملائكة والمجاهدين والعلماء بالشفاعة لمن ارتضى لهم الشفاعة، فيشفعون لمّن أدخلوا النار.
قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ )؛ أي يعلم الله الماضي والمستقبل.
قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ)؛ أي لا يعلم أحدٌ شيئاً إلا ما أراد الله له أن يعلمه، كما قال الخضر لموسى عليه السلام عندما نقر عصفورٌ في البحر: (ما علمي ولا علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر).
قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ)؛ اختلف المفسرون في معنى الكرسي، فمنهم من قال: كرسيه علمه، ومنه الكرّاسة التي تضمّ العلم، وابن عباس والطبري من أصحاب هذا القول. قال ابن مسعود رضي الله عنه: بين كلّ سماءين مسيرة خمسمائة عامٍ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عامٍ، وبين الكرسي والعرش خمسمائة عامٍ. وقال آخرون: كرسيه؛ أي قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض. وقال مجاهد: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرضٍ فلاةٍ، ويدلّ ذلك على عظم الله تعالى وعظم مخلوقاته.
قوله تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)؛ أي لا يثقله حفظ السماوات والأرض. والعلي هو القاهر الغالب للأشياء. والعظيم؛ أي عظيم القدر، والخطر، والشرف.
أهمية ومزايا آية الكرسي
هناك فضائل جمة لآية الكرسي، نذكر منها:
- أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ آية الكرسي بعد كلّ صلاةٍ؛ حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ).
- أنّها تحفظ القارئ لها من العين، والسحر، والمس؛ إذ إنّ الله تعالى جعلها حرزاً من الشيطان، والجنّ، والسحرة، والمشعوذين، فمن قرأها في الصباح حفظه الله تعالى حتى المساء، ومن قرأها في المساء حفظه الله تعالى حتى الصباح.
- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقرأها عند النوم؛ ليدفع بها الشياطين.
- أنّها احتوت على أسماءٍ من أسماء الله الحسنى، ومنها اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة سورة البقرة، الآية 255.
- فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 7-26.
- ابن حبان، بلوغ المرام، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 97.