فهم الزكاة: تعريفها، أحكامها، وأهميتها

جدول المحتويات

معنى الزكاة في اللغة العربية

تتعدد معاني كلمة “زكاة” في اللغة العربية، فهي تشير إلى النمو والزيادة والطهارة. فهي تطهر صاحبها من الآثام، كما تُستخدم كمرادف لكلمة صدقة، دلالة على صدق العبد لله تعالى في عبوديته وطاعته. وتُشير أيضاً إلى البركة، والمدح، والصلاح. ويتجلى هذا المعنى اللغوي في قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها﴾ [التوبة: 103]. فالزكاة تطهر صاحبها من الشح والذنوب، وتبارك في ماله وأجره.

تعريف الزكاة في الاصطلاح الفقهي

يُعرّف الفقهاء الزكاة اصطلاحاً بأنها: مقدار محدد من المال يجب على المسلم إخراجه من ماله الذي بلغ النصاب إلى الجهات المستحقة، وبشروط معينة. وقد اختلف الفقهاء في تعريفها تفصيلاً، فقال الحنفية: “هي تمليك جزء مال مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص عينه الشارع لوجه الله تعالى”. والمالكية: “إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصاباً لمستحقه إن تم الملك وحول غير معدن وحَرث”. والشافعية: “اسم لما يُخرج من مال أو بدن على وجه مخصوص”. والحنابلة: “هي حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص”. وتتفق هذه التعريفات على أن الزكاة تمليك للمال الذي بلغ النصاب، ولا يعود ملكاً لصاحبه بعد إخراجه، بل يدخل في ملك المستحقين، وهؤلاء هم الجهات الثمانية الواردة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].

حكم الزكاة وأهميتها في الإسلام

تُعدّ الزكاة ركناً من أركان الإسلام الخمسة، وتصبح فرض عين على من توافرت فيه شروطها. ويجب إخراجها فور تحقق هذه الشروط، دون تأخير. وقد ثبتت فرضيتها بالقرآن والسنة والإجماع، ولا يُعذر الجهل بها. ومن أدلة فرضيتها في القرآن الكريم الآية السابقة، ومن السنة النبوية وصية النبي ﷺ لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن، قائلاً له: ﴿أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ﴾ [رواه البخاري]. فُرضت الزكاة مبكراً في السنة الثانية للهجرة، وهناك خلاف حول أيها فُرض أولاً، الصيام أم الزكاة. أما مكان فرضها، فالأقوال الراجحة تشير إلى مكة، بينما تقدير الأنصبة والأموال الزكوية ومستحقيها نزل بالمدينة.

وقت فرض الزكاة ودلائلها الشرعية

للزكاة أهمية بالغة، فهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وواحدة من دعائم النظام الاقتصادي في الإسلام. وتُذكر مقرونة بالصلاة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43]. وقد مدح الله تعالى عباده المؤدين للصلاة والزكاة، وعدّ ذلك دليلاً على صدق إيمانهم، وقرنه بالإيمان الصادق باليوم الآخر، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [لقمان: 4].

الحكمة من مشروعية الزكاة

قدر الله سبحانه وتعالى بأقداره المتفاوتة بين عباده، اختلافهم في الأرزاق، ولكنه جعل للأقل رزقاً حقاً في مال الأوسع رزقاً، يقدمه للفقير كحق له لا كصدقة تطوعية، كما في قوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: 19]. فبذلك تعمل الزكاة كنظام اجتماعي واقتصادي، يضمن التكافل بين أفراد المجتمع. وتنبثق أهميتها وقدرتها على حل الفروقات من شموليتها لمعظم أفراد المجتمع، ومن مقدارها الكبير (2.5% من مجموع الأموال)، فهي نسبة تضمن تحقيق التكافل والقضاء على الفقر إذا طبقت بنجاح. كما للزكاة منافع للمزكي نفسه، فهي تطهر صاحبها من الآثام والذنوب، وتُبعده عن البخل والشح والطمع في الدنيا. وهي تُهذب غريزة التملك، وتنمي مال المُزكِّي وتُبارك فيه، وتُنمي الإيمان في قلبه، وسَبب لدخول الجنة والنجاة من النار. وتُمثّل الزكاة نظاماً وقائياً يمنع الكثير من المشاكل الاجتماعية، كالجرائم المتعلقة بالسرقات والنهب، لأنها تطهر نفس الفقير من الحقد على المجتمع. كما تحدّ من تضخم الثروات لدى فئة معينة، كما أشار الله تعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7].