سمات الكتابة النثرية في العصر العباسي

استكشاف سمات النثر في الحقبة العباسية: الثراء الثقافي، التعقيد والتوسع، الإسهاب، تنوع الأساليب، والسجع. تعرف على أبرز خصائص النثر العباسي وأهم ملامحه.

ملامح الكتابة النثرية في العصر العباسي

تعتبر الحقبة العباسية فترة ذهبية في تاريخ الأدب العربي، حيث شهد النثر تطورات ملحوظة وسمات فريدة تميزه عن غيره من العصور. من أهم هذه السمات:

الازدهار الثقافي

اتسم العصر العباسي بظهور ثقافات جديدة ومتنوعة، نتيجةً للانفتاح على الحضارات الأخرى كالفارسية والهندية واليونانية. هذا التفاعل الثقافي أثرى اللغة العربية بمعانٍ عقلية وفلسفية عميقة، وحولها من لغة بدوية إلى لغة حضارة قادرة على استيعاب مختلف العلوم والمعارف الإنسانية في القرون الوسطى.

شمل النثر العربي في هذه الحقبة فروعًا متعددة، منها:

  • النثر العلمي: الذي تضمن كتب الفقه، والطب، والفلك، والتاريخ.
  • النثر الفلسفي: الذي سيطر على كتب الفلسفة، والمنطق، وعلم الكلام.
  • النثر الفني الخالص: أو النثر الأدبي الذي تجلى في كتب الأدب، والنقد، والرسائل، والمقامات.

على الرغم من تراجع فن الخطابة بسبب ضعف الأحزاب السياسية، إلا أن النثر الكتابي شهد ازدهارًا كبيرًا، حيث تمت ترجمة العديد من الكتب الأجنبية، مما أدى إلى نهضة واسعة في مجال التدوين والتأليف.

التركيب والتوسع المعرفي

تمتع النثر في هذه الفترة بالتركيب والتوسع المعرفي، ويقصد بالتركيب تعقيد الأفكار، ووفرة المعاني واتساعها، وهو ما نتج بشكل طبيعي عن الثراء الحضاري. فأصبح الكاتب، كالجاحظ والتوحيدي وغيرهم، موسوعي الثقافة.

كمثال على ذلك، كتاب “الحيوان” للجاحظ، الذي يجمع بين العلم والأدب، ويتألف من سبعة أجزاء، ويتناول موضوعات متنوعة مثل الحيوانات، والإنسان، والبيئات الجغرافية، والأعشاب الطبيعية، بالإضافة إلى الأمثال، والأخبار، والنكت الأدبية. وقد كان الجاحظ بالفعل شخصية موسوعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث قال:

“التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعّراًً وحشيّاً ولا ساقطاً سوقيّاً”.

التفصيل والإسهاب

نتيجة للطابع الموسوعي والإسهاب الذي ميز العصر العباسي، برزت ظاهرة الإسهاب، ففي العصور السابقة، لم يكن الخطيب أو الكاتب مطالبًا بالاسترسال في حديثه، أو التعمق في تفاصيل الفكر. أما في الحقبة العباسية، وبعد اتساع المعارف وغزارة الأفكار، كان على الكاتب أن يحلل الآراء المطروحة بتفصيل، وأن يمنح القارئ استراحات ذهنية من عناء المتابعة والبحث الدقيق، فمال إلى الإسهاب.

وقد ورث الكتاب مدرسة الجاحظ، وحرصوا على عناصرها، حتى كادت أن تطبع النثر الأدبي كله بظاهرة الإسهاب. وحرص أبو حيان التوحيدي على البقاء في فلك أستاذه، وتأثر بمذهبه، وراح يردد أقوالاً مشابهة لأقوال الجاحظ، فقال:

“قد والله نفثتُ فيه (أي كتاب الإمتاع والمؤانسة) كلّ ما كان في نفسي من جدّ وهزل، وغثّ وسمين، وشاحبٍ ونضر وفكاهة وطيب، وأدب واحتجاج، واعتذار واعتلال، واستدلال، وأشياء من طريف الممالحة”.

تعدد الأساليب

شهد هذا العصر تحولًا من الأسلوب المتوازن إلى الأسلوب البديعي المسجع. ومن أمثلة ذلك ما ورد في كتاب “أدب الكتاب” لمحمد بن يحيى الًولي، حيث قال:

“من خدمَ السُّلطان بلا علم واستقلال وتجربةٍ وكمالٍ، كان بمزلة راكبِ فيل صعب، وسابحٍ في بحرٍ قد جفّ، ومع ذلك فإنّ الأتباع إذا أحسّوا من الرُّؤســاءِ بتفويض إليهم على قلّة علم منهم واضطرار إلى كفاءتهم، ولم يحسّ الأتباع منهم حسن مجازاةٍ عل جميل إفادتهم..”

الزخرفة اللفظية

برز السجع في الرسائل الديوانية، والتوقيعات، والمقامات، واستمرت هذه الظاهرة الفنية في القرن الرابع الهجري، محصورة في نطاق الرسائل الإخوانية، بل أخذت تسري في ثنايا الرسائل الأدبية والمقامات.

تطور فن الجدال

تراجع فن الخطابة في العصر العباسي، بينما ازدهر فن الجدال واتسع نطاقه. وتعتبر المناظرة نوعًا من المبارزة الكلامية والحوار، تظهر فيها قوة العقل، وإثبات الحجة بالدليل، وهي تشبه إلى حد كبير الخطابة في الارتجال.

المصادر

  • لميس داود، محاضرات منشورة، صفحة 6. بتصرّف.
  • عبد اللطيف عمران، محاضرات منشورة في جامعة دمشق، صفحة 17. بتصرّف.
  • أنيس المقدسي، أمراء الشّعر العربيّ في العصر العبّاسي(الطبعة 12)، صفحة 82. بتصرّف.
  • د. لميس داود، أوراق النّثر العبّاسي، صفحة 9. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

ملامح الكتابة النثرية في العصر الجاهلي

المقال التالي

سمات وخصائص العمل الأدبي

مقالات مشابهة