فهرس المحتويات
نشأة وازدهار سلالة بني حماد
برزت سلالة بني حماد كواحدة من أبرز الدول الأمازيغية في المغرب الأوسط، حيث امتدت فترة حكمها من عام 1007م إلى عام 1152م. يرجع تأسيس هذه الدولة إلى حماد بن بلكين الزيري، الذي حكمها تسعة أمراء، كلٌ منهم اتسم بأسلوب حكمه الخاص. كان يحيى بن العزيز الحمادي آخر حكام هذه السلالة. تميزت الدولة الحمادية باستقلالها عن دولة الجزائر في ظل الحكم الإسلامي، وخاضت صراعات طويلة مع زناتة من الغرب، ومع آل زيري، بالإضافة إلى حروب مستمرة مع العرب الهلاليين بدءًا من النصف الثاني من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي).
حقق ابن حماد انتصارًا مهمًا على حمامة بن معز بن زيري، وأرغم ابن عمه المعز بن باديس الزيري على إبرام معاهدة سلام معه عام 1051م. بعد سقوط سلطة بني زيري في القيروان على يد العرب الهلاليين في نفس العام، سيطرت سلالة بني حماد على المغرب الأوسط. وقد تمكن بلكين بن محمد، خليفة القائد الثاني، من إخماد الفتنة التي أشعلها بنو رمان في بسكرة، ووصل حتى المغرب الأقصى، مسيطراً على مدينة فاس، إلا أنه لقي مصرعه على يد ابن عمه عند عودته من هذه الحملة.
أبرز حكام الدولة الحمادية
يُعدّ عصر الناصر بن علناس (1062م-1088م) ثمّ عهد المنصور، خليفة الناصر (1088م-1104م)، من العصور الذهبية للدولة الحمادية. نقل المنصور مقر حكمه إلى بجاية عام 1090م هربًا من غارات البدو. وقد تمكن من صدّ تقدم المرابطين، منتصرًا على قائدهم ابن تومرت في جبل تسالة، وقام بإخماد العديد من الثورات الأمازيغية. شهد عهد العزيز، خليفة المنصور (1104م-1121م)، تدهورًا في قوة الدولة، مع استمرار الفتن الأمازيغية والغزوات الهلالية. وفي نهاية المطاف، غزا الموحدون المغرب الأوسط في عهد عبد المؤمن بن علي، مُسقطين الدولة الحمادية، وأسروا السلطان الحمادي الذي توفي في مراكش عام 1163م.
إسهامات بارزة في مجالات التعليم والبناء
نهضة علمية في ظل الدولة الحمادية
ازدهرت الكتاتيب في القلعة الحمادية، حيث تلقى الصبية تعليمهم. و يُذكر أبو حفص العديري كأحد أشهر معلميها. شهدت المدن الكبرى، ولا سيما بجاية، تأسيس معاهد للتعليم العالي. أنشأ الناصر بن علناس معهد سيدي التواتي، الذي ضمّ حوالي 3000 طالب، وتمّ تدريس مختلف العلوم فيه، حتى العلوم الفلكية. احتوت مكتبة جامع المنار في القلعة على العديد من الكتب من مختلف أنحاء المغرب. كما كان العديد من أساتذة معهد سيدي التواتي من علماء الأندلس، وأفريقيا، والشرق، خاصة في عهد العزيز.
فنون البناء والعمارة في الدولة الحمادية
اشتهر الحماديون بإتقانهم للزخارف، والرسوم، والخطوط، والحفر. وتركوا وراءهم إرثًا غنيًا في فنونهم المختلفة، مثل الرخاميات، والأخشاب المنحوتة، والخزفيات، والزجاج، والزخارف المتنوعة. برعوا في الهندسة وتخطيط المدن، حيث تميزت مدنهم بتوفير الخدمات الأساسية، كالمياه، والأسواق، والبساتين، والجداول، والفنادق، والمعارض. ويُعدّ قصر البحر في القلعة، الذي تمّ إنشاؤه بتعاون الناصر والمنصور، مثالًا بارزًا على فنونهم المعمارية الرائعة.