لمحة عن القصائد الخالدة
تُعد القصائد الخالدة من أروع ما تركه لنا الأدب الجاهلي، وهي عبارة عن مجموعة من القصائد التي تتراوح ما بين سبع وعشر قصائد. تعتبر هذه القصائد من أهم الموروثات الأدبية التي تجسد صورة واضحة عن تلك الفترة الزمنية. فهي تعكس أساليب الحياة، والعادات، والتقاليد، والمشاعر التي كانت سائدة في العصر الجاهلي. تتجلى فيها موضوعات مثل الوقوف على الأطلال، والتغزل بالمحبوبة، ووصف الطبيعة بجمالها الخلاب، بالإضافة إلى فنون الرثاء، والفخر، والمديح، والهجاء، والحماسة.
أسباب التسمية بالقصائد الخالدة
كلمة “القصائد الخالدة” مشتقة من الفعل “علق”، ويعني الشيء الثمين الذي يُعلق ويُحتفظ به. وقد اختلف الأدباء والنقاد في تفسير سبب تسمية هذه القصائد بهذا الاسم، وظهرت عدة آراء متباينة. أحد هذه الآراء يشير إلى أن هذه القصائد تميزت بسهولة الألفاظ وجمالها وعمق معانيها، مما جعلها تترسخ في أذهان الناس.
هناك رواية أخرى تقول إن هذه القصائد كانت تُكتب بماء الذهب وتُعلق على جدران الكعبة قبل ظهور الإسلام، وذلك لقيمتها العالية ومكانتها الرفيعة. كما أن هناك تشبيهاً آخر يربط بين هذه القصائد والجواهر الثمينة مثل الدر والياقوت التي كان العرب في الجاهلية يعلقونها على أعناقهم لما تتميز به من رقة وجمال. إضافة إلى ذلك، كانت هذه القصائد تُنقش على رقاع من الجلود وتُعلق على أعمدة الخيام. وقد عُرفت القصائد الخالدة بأسماء أخرى مثل: المذهبات، والمقلدات، والمسمطات.
أبرز شعراء القصائد الخالدة
اشتهرت القصائد الخالدة بسبعة شعراء، ولكن يضاف إليهم ثلاثة شعراء آخرين ليصبح العدد الإجمالي عشرة شعراء. هؤلاء الشعراء هم:
- امرؤ القيس
- طرفة بن العبد
- زهير بن أبي سلمى
- لبيد بن ربيعة
- عمرو بن كلثوم
- عنترة بن شداد
- الحارث بن حلزة
- ميمون بن قيس (الأعشى)
- عبيد بن الأبرص
- النابغة الذبياني
نماذج شعرية من القصائد الخالدة
فيما يلي بعض النماذج من القصائد الخالدة لأشهر الشعراء:
قال امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
قال طرفة بن العبد:
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
قال زهير بن أبي سلمى:
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
قال لبيد بن ربيعة:
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها
خَلَقًا كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهدِ أَنيسِها
حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وَحَرامُها
قال عمرو بن كلثوم:
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا
وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينـا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيهـا
إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينـا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَـواهُ
إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينـا
قال عنترة بن شداد:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحًا دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
قال الحارث بن حلزة:
آَذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ
رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ
آَذَنَتنا بِبَينِها ثُمَّ وَلَّت
لَيتَ شِعري مَتى يَكونُ اللِقاءُ
قال الأعشى:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
وَهَل تُطيقُ وَداعًا أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
قال عبيد بن الأبرص:
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ
فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ
فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ
قال النابغة الذبياني:
يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ
أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ
وَقَفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها
عَيَّت جَواباً وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ
المراجع
- أبتعبد الله خضر حمد،قراءات أسلوبية في الشعر الجاهلي، صفحة 16-27. بتصرّف.
- أحمد الأمين الشنقيطي،المعلقات العشر وأخبار شعرائها، صفحة 180. بتصرّف.
- “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزِل”،الديوان
- “لخولة أطلال ببرقة ثهمد”،الديوان
- “أمن أم أوفى دمنة لم تكلم”،الديوان
- “عفت الديار محلها فمقامها”،الديوان
- “ألا هبي بصحنك فاصبحين”،الديوان
- “هل غادر الشعراء من متردم”،الديوان
- “آذنتنا ببينها أسماء”،الديوان
- “ودع هريرة إن الركب مرتحل”،الديوان
- “أقفر من أهله ملحوب”،الديوان
- “يا دار مية بالعلياء فالسند”،الديوان