الخصائص المتفردة للأدب الأندلسي
يتميز الشعر الأندلسي بخصائص فريدة تمنحه هوية مستقلة في الأدب العربي، سواء على مستوى الشكل أو المضمون. يظهر التجديد الفني والموضوعي بوضوح في هذه الحقبة الأدبية، ويعود ذلك إلى تأثر الأدباء الأندلسيين بعوامل عدة:
أثر الموقع الجغرافي على الأدب
لقد كان لجمال الطبيعة في شبه الجزيرة الأيبيرية تأثير كبير على الأدب الأندلسي. فقد أكثر الشعراء من وصف الطبيعة، وتغزلوا بالجبال الخضراء والبحر والحدائق والأزهار. أصبحت الطبيعة عنصراً حاضراً في الصورة الشعرية، بل وجسدها بعضهم كما فعل ابن خفاجة في قصيدته “الجبل”.
تأثير الأوضاع السياسية والاجتماعية
كان لاختلاط العرب بالإسبان والبربر واليهود والنصارى أثر في الأدب الأندلسي. وثقت العديد من القصائد الصراعات السياسية التي دارت في تلك الفترة، كما رثوا المدن التي طردوا منها، ومن أشهر تلك القصائد ما كتبه أبو البقاء الرندي في قصيدته ” لكلّ شيء”.
تميز الشعر الأندلسي بالتركيز العاطفي، حيث تظهر العاطفة بشكل واضح في العمل الشعري، وتكاد تكون أبرز عناصره. وقد تناول الشعراء قضايا جديدة لم يتطرق إليها أحد من قبل، مثل حالة فقدان البصر التي وصفها الشاعر أبو المخش، وكتبوا في أغراض جديدة فظهر الزهد في شعرهم، بالإضافة إلى الخمريات. حتى عندما كتب الشعراء في الأغراض التقليدية، كانت القصيدة تحمل الطابع الأندلسي، فالغزل والمدح والرثاء يتناسب مع البيئة الجديدة.
من حيث الأسلوب، نجد أنه يميل إلى القص، وتسود فيه روح الدعابة والسخرية والتحرر إذا كان الغرض ترفيهياً، كما تسود فيه روح المرارة والكآبة والتشدد إذا كان الغرض جاداً.
يتميز الأسلوب باستخدام العناصر الحضرية في تجسيد الصور، مما يعني أنها بعيدة كل البعد عن البادية. وتتكون اللغة من ألفاظ بسيطة وواضحة وحسنة الإيقاع، وتعتمد الموسيقى على البحور القصيرة والقوافي الرقيقة. وقد ابتكر شعراء الأندلس أنواعاً أدبية جديدة، فالموشحات الأندلسية علامة فارقة في الأدب الأندلسي، كما أن فن الزجل أندلسي المنشأ أيضاً.
القيمة الحضارية للتراث الأندلسي
عاش الأدب العربي في الأندلس لمدة ثمانية قرون (95- 897هـ)، وتأثر بالبيئة التي عاش فيها وأثر في بيئته وما جاورها من بيئات. ومع ذلك، فإن عدد النصوص المعتمدة في دراسة الأدب الأندلسي قليل نسبياً.
خاصة في الفترات الأولى لتاريخ المسلمين في الأندلس وذلك لكثرة ما ضاع من تراث المسلمين في تلك البلاد، بل لكثرة ما أتت عليه يد الإتلاف والإبادة، إلّا أنّ ما وصل إلينا من نصوص استحق أن يُوضع في حلقة خاصة من سلسلة تاريخ الأدب العربي.
الأندلس بل جميع شبه جزيرة أيبيريا لم تستطع في تاريخها القديم أن تضيف لتاريخ الحضارة الإنسانية شيئاً يُذكر لها قبل دخول المسلمين وأصبحت بعد دخولهم كما وصفها ترند في مقاله عن تراث الإسلام: كانت قرطبة في القرن العاشر الميلادي أكثر المدن الأوروبية حضارة.
وأكمل: وكانت في ذلك الحين مثار إعجاب العالم، وبلغ من ارتفاع شأنها أن حكام ليون ونبّاره وبرشلونة كانوا يقصدونها كلّما مستهم الحاجة إلى جرّاح أو مهندس معماريّ أو مطرب كبير.
فن الموشحات
اشتهر الأدب الأندلسي بابتكار فن الموشحة، ويُظنّ أنه جاء بعد اتساع موجة الغناء والموسيقى منذ زرياب في عصر عبد الرحمن الأوسط، فنشأت الموشّحة بقصد الغناء بها مع العازفين، وقيل أن المخترع لها مقدم بن معافي القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ عنه أبو عمرو بن عبد ربه.
الموشّحات جمع موشحة، والوشاح بالمعجم خيطان من اللؤلؤ وجوهرمنظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر، ومن كبار الوشاحين ابن عبادة القزاز وابن زهر وابن بقى.
الموشحة تتكون من خمس فقرات غالباً، تسمى الفقرة بيتاً، والبيت في الموشحة يختلف عن البيت الشعري في القصيدة؛ لأن بيت الموشحة يشبه الفقرة ويتكون من مجموعة من الأشطار لا من شطرين فقط مثل بيت القصيدة، وإن كل فقرة من فقرات الموشحة الخمس تتكون من جزأين: الجزء الأول مجموعة أشطار منتهية بقافية متحدة مع بعضها ومختلفة في الوقت نفسه عما يقابلها من فقرات أخرى في الموشحة.
أما الجزء الثاني من بيت الموشحة فهو شطران -أو أكثر- تتشابه فيهما القافية في كل الموشحة، والجزء الأول الذي تختلف فيه القافية من بيت إلى بيت يسمى غصناً، أما الجزء الآخر الذي تتشابه قافيته في كل الموشحة يسمى قفلاً، والقفل الأخير من الموشح اسمه “الخرجة”.
نموذج من الموشحات الأندلسية
يقول الشاعر:
أَيُّها الساقي إِلَيكَ المُشتَكى:::قَد دَعَوناكَ وَإِن لَم تَسمَع وَنَديمٌ هِمتُ في غُرّتِه:::وَشَرِبت الراحَ مِن راحَتِه كُلَّما اِستَيقَظَ مِن سَكرَتِه:::جَذَبَ الزِقَّ إِلَيهِ وَاِتَّكا وَسَقاني أَربَعاً في أَربَع غُصنَ بانٍ مالَ مِن حَيثُ اِستَوى:::باتَ مَن يَهواهُ مِن فَرطِ النَوى خافِقُ الأَحشاءِ موهونُ القُوى:::كُلَّما فَكَّرَ في البَينِ بَكى ما لَهُ يَبكي لِما لَم يَقَع:::ما لِعَيني عَشيت بِالنَظَرِ أَنكَرَت بَعدَكَ ضوءَ القَمَرِ عَشِيَت عَينايَ مِن طولِ البُكا:::وَبَكى بَعضي عَلى بَعضي مَعي لَيسَ لي صَبرٌ وَلا لي جَلَد:::يا لَقَومي عَذَلوا وَاِجتَهَدوا أَنكَروا شَكوايَ مِمّا أَجِد مِثلُ حالي حَقُّها أَن تَشتَكي:::كَمَد اليَأس وَذُلَّ الطَمَعِ كَبدٌ حَرّى وَدَمعٌ يَكِفُ:::يَعرِفُ الذَنبَ وَلا يَعتَرِفُ أَيُّها المُعرِضُ عَمّا أَصِفُ:::قَد نَما حُبُّكَ عِندي وَزَكا لا تَقُل إِنّي في حُبِّكَ مُدّع.