السمات الجوهرية للقانون الإداري وموارده الأساسية

اكتشف السمات المميزة للقانون الإداري وأهم مصادره. تعرف على حداثة نشأته، صعوبة تقنينه، طابعه القضائي، مرونته وسرعة تطوره، واستقلاليته. بالإضافة إلى استعراض مصادره الأساسية كالتشريع والقضاء والعرف والفقه والمبادئ العامة.

مقدمة

يعتبر القانون الإداري فرعًا مهمًا من فروع القانون العام، ويُعرف بأنه “مجموعة القواعد القانونية التي تنظم السلطة الإدارية وتحدد صلاحياتها وأوجه نشاطها في سبيل تحقيق المصلحة العامة والإشراف على المرافق العامة”. يتميز القانون الإداري بخصائص تجعله متميزًا عن غيره من القوانين.

الخصائص الفريدة للقانون الإداري

يتميز القانون الإداري بعدة سمات أساسية:

نشأة حديثة نسبياً

إذا قورن القانون الإداري بفروع القانون الأخرى، مثل القانون الجنائي أو القانون المدني، فإنه يُعد حديث النشأة. هذه الحداثة هي إحدى العلامات البارزة التي تميزه.

لم يتبلور القانون الإداري بصورته الحالية إلا في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا، وذلك بفضل جهود مجلس الدولة الفرنسي، والنظريات التي وضعها فقهاء القانون الإداري الفرنسيون. كما ساهمت التطورات الحضارية خلال القرن العشرين في إرساء قواعده.

تحديات في التدوين الشامل

التدوين يعني جمع قواعد فرع قانوني في مدونة واحدة وشاملة. إلا أن القانون الإداري يصعب تدوينه بشكل كامل على غرار قوانين أخرى كالقانون المدني أو قانون العمل.

يرجع ذلك إلى التطور المستمر الذي يشهده القانون الإداري في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، والذي يشمل الأجهزة الإدارية وأنشطتها. وللتغلب على هذه المشكلة، تم اللجوء إلى التدوين الجزئي لبعض الجوانب الإدارية التي تتناسب طبيعتها مع التدوين الثابت نسبيًا، مثل نظام الخدمة المدنية.

الصبغة القضائية

تغلب الصفة القضائية على قواعد القانون الإداري، مما يعني أن القانون الإداري في جوهره قانون قضائي. يتفق أغلب الفقهاء والقضاة الإداريون على ذلك، مما يجعل القضاء الإداري المصدر الرئيسي لتشريعات وأحكام القانون الإداري.

الأحكام في هذا القانون تصدر من القضاء وليس من السلطة التشريعية، لأن القضاء الإداري ليس قضاء تطبيقياً كالقضاء المدني.

القانون الإداري هو قانون إنشائي يبتكر أحكامه ومبادئه القانونية، ويجد الحلول المناسبة للعلاقات بين الإدارة والأفراد. إذا وجد القاضي الإداري نفسه أمام نزاع لا يحكمه نص قانوني، فإنه يجتهد لإيجاد حل له.

المرونة والتطور السريع

يتميز القانون الإداري بمرونته وقابليته للتطور المستمر، وذلك لأن حاجات المجتمع تتطور باستمرار تبعًا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتقني، مما يوسع وظيفة الدولة الحديثة وأنشطتها.

يؤدي التطور المتسارع واتساع الأنشطة إلى تغير مستمر في ظروف المجتمع، مما يتطلب من الإدارة العامة الاستجابة لهذه التطورات. لذلك، يجب على المشرع الإداري مواكبة هذه التغيرات وتنظيمها بقواعد قانونية إدارية مرنة ومتطورة تسهل عمل الحكومة الإدارية.

الاستقلالية الذاتية

يتميز القانون الإداري باستقلالية مبادئه ونظرياته عن القانون الخاص. وبناءً على ذلك، يتمتع القاضي الإداري بسلطة تقديرية في استنباط الحلول والأحكام الواجبة التطبيق على روابط القانون العام، دون أن يكون ملزمًا بقواعد القانون الخاص إلا في الحالات المستثناة بنص خاص.

للقانون الإداري قواعد ونظريات خاصة به لا توجد في غيره، وذلك لأنه يقوم على فكرة السلطة العامة. ونتيجة لهذا الاستقلال، تتمتع الإدارة العامة بامتياز يجعلها في مرتبة أعلى من الأفراد المتعاملين معها.

المصادر الرئيسية للقانون الإداري

تتشابه مصادر القانون الإداري مع مصادر القاعدة القانونية بشكل عام، مع بعض الاختلافات الطفيفة في التفاصيل. أهم المصادر التي يعتمد عليها القانون الإداري هي:

التشريع الإداري

التشريع الإداري هو أول مصدر رسمي للقانون الإداري. وينقسم التشريع هنا إلى الدستور والقانون العادي.

الدستور هو القانون الأساسي والأعلى في الدولة، وهو المصدر الأول للقانون الإداري لأنه يضع الأسس العامة لبناء الجهاز الإداري في الدولة وكيفية تنظيمه.

القانون العادي هو أحد مصادر القانون الإداري بمعناه الضيق، حيث أن أغلب جوانب الإدارة العامة تنظمها وتحكمها قواعد وأحكام واردة في قوانين صادرة عن السلطة التشريعية.

الفصل القضائي الإداري

الفصل القضائي الإداري هو “مجموعة الأحكام والقواعد الصادرة عن المحاكم الإدارية في الدولة، والتي تعد مرجعًا هامًا للقضاة والباحثين والمحامين، لأنها تكشف عن جوهر القواعد الإدارية وكيفية تطبيقها في الواقع العملي”.

للقاضي في مجال القانون الإداري سلطة تفسير النصوص الغامضة بالاستعانة بوسائل التفسير المقررة، بالإضافة إلى التوفيق بين النصوص المتعارضة.

يقوم القاضي بدور مميز، حيث أن له سلطة تقديرية لاستنباط قاعدة تتلاءم مع طبيعة النزاع المعروض عليه إذا لم توجد نصوص تشريعية تقدم حلولًا مناسبة.

العرف الإداري

العرف الإداري هو “كل سلوك مشروع اعتادته إدارة حكومية إزاء مشكلة معينة خلال فترة زمنية رسخ معها الاعتقاد من الأفراد والإدارة بلزوم اتباعه في الحالات المماثلة”. يميز العرف الإداري بأنه يكمل النقص في النصوص ويوضح الغامض منها، مما يساعد الإدارة على تسيير أعمالها بشكل صحيح.

يعتبر العرف الإداري مصدرًا مهمًا لتطوير الأنظمة واللوائح الإدارية، حيث يساعد السلطتين التنظيمية والتنفيذية على تطوير أحكام هذه الأنظمة واللوائح إما بالتعديل أو الإلغاء، وقد يمنح العرف الإدارة العامة سلطة تقديرية في تسيير المرافق العامة.

الفقه الإداري

الفقه الإداري هو “مجموعة القواعد التي يستنبطها المتخصصون في علم القانون الإداري من خلال دراساتهم وأبحاثهم المختلفة”. على الرغم من أن الفقه الإداري أحد مصادر القانون الإداري، إلا أنه ليس مصدرًا ملزمًا.

يعتبر الفقه الإداري من المصادر غير الرسمية للقانون الإداري، حيث يمكن للقاضي الإداري الرجوع إليه للاسترشاد به عند وجود غموض في المصادر الرسمية الأخرى. قوة الفقه كمصدر من مصادر القانون الإداري تقوم على الإقناع وليس على الإلزام.

المبادئ العامة للقانون

المبادئ العامة للقانون هي “المبادئ التي يكتشفها أو يستنبطها القضاء من المقومات الأساسية للمجتمع ويقررها ويعلنها في أحكامه”. وهي في مجالات القانون الإداري تلك المبادئ العامة غير المكتوبة التي يستخلصها القاضي الإداري من طبيعة الوقائع المنظورة أمامه.

تتميز هذه المبادئ بقوتها الملزمة، ولكن هناك صعوبة في تحديد مدى هذه الإلزامية وقيمتها القانونية مقارنة بمصادر القانون الإداري الأخرى.

Total
0
Shares
المقال السابق

سمات مميزة للقانون الإداري

المقال التالي

سمات وموارد القانون التجاري

مقالات مشابهة