جدول المحتويات
الحق في الحياة
تتميز الشريعة الإسلامية بنظرتها الشاملة التي تغطي كافة جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقة بين الإنسان ومخلوقات الله الأخرى. من أهم المبادئ التي أرستها الشريعة الإسلامية في مجال الرفق بالحيوان هو الاعتراف بأن الحيوانات، مثل البشر، لها خصائصها، طبيعتها، وإحساسها. فقد قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم).[١][٢]
إذًا، للحيوانات في الإسلام حقوق كاملة، بما في ذلك الحق في الرفق والرحمة والحياة، تمامًا كما هي ممنوحة للإنسان. وقد أكد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على هذه الحقوق بقوله: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ تبارك وتعالى ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكم مَن في السَّماءِ).[٣]
وقد ضمن الإسلام للحيوانات حقها في الحياة وحذر من قتلها بدون سبب أو تشويهها، وذلك من خلال:
- النهي عن قتل الحيوانات دون مبرر شرعي. فقد قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (ما من إنسانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فما فَوْقَها بغيرِ حَقِّها، إلَّا سَأَلهُ اللهُ عَنْها يومَ القيامةِ).[٤]
- تحريم جميع أشكال تعذيب الحيوانات، بما في ذلك الكي (وسم الحيوان بالنار) والضرب في الوجه. وقد قال رسول الله -عليه السلام-: (أمَا بَلَغَكُمْ أنِّي لَعنْتُ مَن وسَمَ البَهيمةَ في وجْهِها، أوْ ضَرَبَها في وجْهِها).[٥]
- منع المُثلة بالحيوانات، وهي قطع أجزاء منها مثل الأذن أو الأنف. وقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (لعَنَ اللهُ مَنْ مَثَّلَ الحيوانَ).[٦]
يتضح من ذلك أن الإسلام يحظر أي شكل من أشكال الإيذاء أو القتل غير المبرر للحيوانات، ويؤكد على أهمية معاملتها بإحسان ورحمة.
واجب توفير العناية الصحية
أسس الإسلام مبدأ الرفق في جميع مناحي الحياة، وجعله صفة مميزة للمؤمن، وعنصرًا يعزز الإيمان، وفضيلة تزين العمل. وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ).[٨]
ويعتبر توفير الرعاية الصحية للحيوان حقًا ثابتًا في الإسلام، ويتجلى ذلك في عدة مظاهر:
- ضرورة الفصل بين الحيوانات المريضة والسليمة، وذلك امتثالاً لنهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الاختلاط بينهما، كما جاء في الحديث: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ).[٩]
- حق الحيوان في الحصول على ما يكفيه من الطعام والشراب. وقد روى سهل ابن الحنظلية الأنصاري أنه قال: (مَرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببعيرٍ قد لَحِقَ ظَهرُه ببطنِه، فقال: اتَّقوا اللهَ في هذه البهائمِ المُعجَمةِ، فاركَبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً).[١٠]
- حق الحيوان في الحصول على العلاج إذا مرض.[١١]
كما اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصحة النفسية للحيوان، لأنه يشعر ويتألم كالبشر. وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يتأثر بحال الحيوانات ويحزن إذا ما تعرضت للظلم من أصحابها، ومن الأمثلة على ذلك:
- ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (كنا مع رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في سفرٍ، فانطلقَ لحاجتِه فرأينا حُمرةً معها فرخانِ فَأخذنا فَرْخَيْهَا، فجاءتِ الحمرةُ فجعلتْ تفْرِشُ، فجاء النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقال: منْ فجع هذه بِولدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إليها).[١٢]
- وروى عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما-، أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (دخلَ حائطًا لرَجُلٍ مِن الأنصارِ فإذا جَملٌ، فلَمَّا رأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حنَّ وذرِفَت عيناهُ، فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسحَ ذِفراهُ فسَكَتَ، فقالَ: مَن ربُّ هذا الجَمَلِ، لمن هذا الجمَلُ؟ فَجاءَ فتًى منَ الأنصارِ فَقالَ: لي يا رسولَ اللَّهِ فَقالَ: أفلا تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللَّهُ إيَّاها؟ فإنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُهُ وتُدئبُهُ).[١٣]
تؤكد هذه الأمثلة على أن الإسلام يولي اهتمامًا بالغًا بصحة الحيوان الجسدية والنفسية، ويوصي بمعاملته برفق وعطف.
تأمين المأوى المناسب
من واجبات المسلم توفير مأوى مناسب للحيوان الذي يملكه، ويعتبر هذا الحق من الحقوق التي كفلها الإسلام للحيوانات.[١٤] ويتضمن هذا الحق:
- إنشاء المحميات الطبيعية للحيوانات، والتي يُمنع فيها الرعي والصيد. هذه المحميات هي مسؤولية الدولة الإسلامية، وكانت مخصصة لرعاية الخيل والإبل المخصصة للجهاد، وماشية الجزية والصدقة والزكاة، وحيوانات ضعفاء وفقراء المسلمين، والحيوانات الضالة التي تحفظها الدولة حتى يعثر أصحابها عليها.[١٥]
وقد عرفت المحميات الطبيعية المخصصة للحيوانات باسم “الحمى”. ومن الأمثلة على المحميات التي كانت موجودة في الإسلام:
- ما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حمى النَّقيعَ لخيلِ المسلِمينَ).[١٦]
- وما روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أن عمرَ رضي اللَّهُ تعالى عنهُ حمَى الرَّبَذَةَ لنَعَمِ الصَّدقةِ).[١٧]
يدل هذا على أن الإسلام اهتم بتوفير بيئة مناسبة للحيوانات لتعيش فيها بأمان وراحة.
الحفاظ على جودة النسل
حافظ الإسلام على جودة نسل الحيوانات، وذلك لحمايتها من الانقراض. قال -تعالى-: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).[١٨] تشير هذه الآية إلى أهمية استمرار دورة حياة الحيوانات وعدم انقراضها.
وفيما يتعلق بجودة السلالة، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن إنزاء الحمار على الفرس، أي تزاوج ذكور الحمير مع إناث الخيول لإنتاج البغال. فقد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: (أُهْدِيَتْ لِرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بَغلةٌ، فرَكِبَها، فقالَ عليٌّ رضيَ اللَّهُ عنهُ لو حَمَلنا الحميرَ على الخيلِ، لَكانَ لَنا مثلُ هذِهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّما يَفعلُ ذلِكَ الَّذينَ لا يعلَمونَ).[١٩]
الحكمة من هذا النهي هي أن ذلك يؤدي إلى رداءة النسل وقطعه. وبذلك، حافظ الإسلام على جودة سلالة الحيوانات.[٢٠]
يتضح من ذلك أن الإسلام يولي عناية كبيرة بنسل الحيوانات بشكل عام، وبجودة سلالتها بشكل خاص، ويحث على الحفاظ عليها وتنميتها.
المراجع
- ↑ سورة الانعام، آية:38
- ↑ أبمصطفى السباعي (1999)،مقتطفات من كتاب من روائع حضارتنا(الطبعة 1)، بيروت:دار الوراق، صفحة 178، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه العراقي، في الأربعون العشارية، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:125، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2266 .
- ↑ رواه محمد الالباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1326 .
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5113 .
- ↑ احمد الكبيسي (1976)،كتاب حقوق الحيوان والرفق به في الشريعة الإسلامية، السعودية:الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:549، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:5771 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابي داوود، عن سهل ابن الحنظلية الأنصاري، الصفحة أو الرقم:2548، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي،كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي(الطبعة 12)، سوريا:دار الفكر، صفحة 7347، جزء 10.
- ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:8/689.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2549، صحيح.
- ↑ محمد إلهامي ،”حقوق الحيوان في الإسلام .. حق الإيواء”،اسلام اون لاين.
- ↑ راغب السرجاني (3/8/2017)،”رعاية الكائنات الحية في الإسلام”،قصة الإسلام.
- ↑ رواه احمد بن حنبل، في مسند الامام احمد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:8/40، صحيح.
- ↑ رواه العيني، في عمدة القاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:12/30.
- ↑ سورة هود، آية:40
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابو داوود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2565.
- ↑ الملا على القاري (2002)،كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لبنان:دار الفكر، صفحة 2507، جزء 5.