جدول المحتويات:
مقدمة عن الحارث بن عباد
الحارث بن عُباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة البكري، شخصية بارزة في تاريخ الأدب العربي، يُعرف كفارس وشاعر حكيم من العصر الجاهلي. ينتمي إلى قبيلة بكر بن وائل، إحدى أكبر قبائل ربيعة. تبوأ مكانة مرموقة بين قومه، وكان سيدًا ذا نفوذ في بني ربيعة. عاصر حرب البسوس الشهيرة بين قبيلتي بكر وتغلب، وشهد أحداثها وتداعياتها.
نظرة عامة على شعر الحارث
تميز شعر الحارث بن عباد بتنوع أغراضه، حيث تناول موضوعات مختلفة تعكس جوانب الحياة في العصر الجاهلي. من أبرز هذه الأغراض: الحماسة، الرثاء، الفخر، الوصف، الغزل، والحكمة. وقد استخدم الشعر كوسيلة للتعبير عن مشاعره، وآرائه، ومواقفه تجاه الأحداث والقضايا المختلفة.
أشعار الحماسة
تعتبر الحماسة من أبرز السمات التي تميز شعر الحارث بن عباد. تتجلى الحماسة في تمجيده لأفعاله وأفعال قومه، وتصويره لشجاعتهم وبسالتهم في الحروب. غالبًا ما تتناول قصائده الحماسية حرب البسوس، حتى عندما تتطرق إلى أغراض أخرى كالرثاء والهجاء. عادةً ما يبدأ قصائده بكلمات مثل “سل” أو “فسائل” أو “سائل”. ومثال ذلك قوله:
سل حيَّ تغلب عن بكرٍ ووقعتهم… بالحنوِ إذ خسروا جهرًا وما رشدوا
وأيضا قوله:
فسائل إن عرضت بني زهيرٍ… ورهط بني أمامة والغويرِ
أشعار الرثاء
يشكل الرثاء جزءًا هامًا من شعر الحارث بن عباد، حيث عبر عن حزنه وألمه لفقد الأحبة. من أشهر قصائده في الرثاء تلك التي رثى بها ابنه بجير، والتي أصبحت من عيون الشعر العربي لما تحمله من معاني الفقد واللوعة. لقد صور لنا الحارث في هذه القصيدة صورة الأبوة الممزوجة بنار الفقد والحزن، كما يظهر في قوله:
قتلوه بشسعِ نعلِ كليب… إن قتلَ الكريم بالشسع غالِ.
وكان الحارث بن عباد قد اعتزل حرب البسوس، وذلك بقوله: “لا ناقتي لي فيها ولا جمل” حتّى قُتل ابنه بجير. وافتدى (ابنه) بالعم والخال بقوله:
قربا مربط النعامة مني… إن قتل الكريم غيّرََ حالي
قربا مربط النعامة مني… لحليمٍ متوجٍ بالجمال
قربا مربط النعامة مني… لبجيرٍ فداهُ عميَّ وخالي
أشعار الفخر
اشتهرت قبيلة بكر بشجاعتها وإقدامها في الحروب، لذلك لم يكن غريبًا أن يتضمن شعر الحارث بن عباد الكثير من الفخر. فهو يفتخر بقبيلته وأمجادها، وبشجاعته وبسالته في القتال. كان الفخر جزءًا أساسيًا من هويته كفارس وشاعر، حيث يقول مفتخرًا بربيعة (بكر وتغلب):
سلوا تخبروا عن معشري أي معشرٍ… وعنِّي إذ لاقيتكم أي فارسِ
وهلا سألتم بالقديم بِحربنا… تميم بن مُرٍّ عند ضرب الفوارسِ
أشعار الوصف
ركز الحارث بن عباد في أشعاره الوصفية على تصوير المعارك التي خاضها، وتفاصيلها الدقيقة. وصف كيف كان يفرق صفوف الأعداء بشجاعته وبسالته. ومثال على ذلك وصفه للمعارك التي دارت بين بكر وتغلب:
ثمّ التقينا ونارُ الحرب ساطعةٌ… وسمهري العوالي بيننا قصدُ
أشعار الغزل
لم يخل شعر الحارث بن عباد من الغزل، حيث تناول موضوعات الحب والجمال. وقد استوحى بعض قصائده الغزلية من الأطلال والذكريات، كما في قوله:
عفت أطلال مية من حفير… إلى الأجياد منه فجو بيرِ
وأيضًا قوله:
وقد كانت تحلّ بها زمانًا… أمامة غير مكشفة الستور
أشعار الحكمة
يعتبر الحارث بن عباد من حكماء العرب، وتتجلى حكمته في أشعاره التي تعكس رزانة عقله واتزانه. فقد كان يقدم النصائح والتوجيهات لقومه، ويدعوهم إلى التفكير السليم والتدبر في الأمور، كما في نصحه لتغلب:
نصحتُ لتغلب وكففت عنها… ولم أهتك لها حرم الستور
فأعيت تغلب وبغت علينا… ولم تحذر معاقبة الأمور
السمات الفنية في شعره
تميز شعر الحارث بن عباد بعدة سمات فنية، سواء من حيث المعنى أو اللفظ. من أبرز هذه السمات:
- وضوح المعاني: تتسم معاني شعره بالوضوح والسهولة، مما يجعلها قابلة للفهم من قبل الجميع.
- الصور البيانية: استخدم الصور البيانية بكثرة في شعره، مثل التشبيهات والاستعارات والكنايات، مما أضفى على أشعاره جمالًا وجاذبية.
- تكرار الألفاظ: لجأ إلى تكرار بعض الألفاظ في شعره، وذلك بهدف التبليغ والتحذير.
إرث الحارث بن عباد
توفي الحارث بن عباد في الفترة ما بين 550 و 570 هـ. وقد ترك إرثًا أدبيًا وشعريًا غنيًا، جعله شخصية بارزة في تاريخ الأدب العربي. ضُرب المثل بالحارث بن عُباد، فكان مثلًا على ألسنة العرب، ومنها:
- “أوفى من الحارث بن عُباد”.
- “أشرف من بنات الحارث”.
- “لا ناقة لي في هذا ولا جمل”.
- “من يتولَّ قارها فهو يتولى حارَّها”.
- “الأمور مخلوجة وليست بسُلكى”.