استضاح معاني الآيات الأخيرة من سورة البقرة

تأملات في معاني آخر ثلاث آيات من سورة البقرة. شرح وتفسير للآية الأولى، الآية الثانية، والآية الثالثة. مصادر ومراجع.

تعتبر سورة البقرة أطول سور القرآن الكريم، وتحمل في طياتها الكثير من الأحكام والتشريعات والقصص والعبر. وتتميز الآيات الأخيرة منها بفضل عظيم ومكانة جليلة، لما تحمله من معانٍ سامية وأحكام جامعة. في هذا المقال، سنتناول بالتحليل والتفسير آخر ثلاث آيات من هذه السورة المباركة، مستنيرين بتفاسير أهل العلم والاختصاص، وذلك بغية فهم أعمق لمعانيها واستخلاص الدروس والعبر المستفادة منها.

تبيان وتوضيح الآية الأولى

تبدأ هذه الآيات الكريمة بقوله تعالى:
لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 284].
هذه الآية الكريمة تؤكد على ملكية الله المطلقة لكل ما في السموات والأرض، فهو الخالق والمالك والمدبر، لا يخرج شيء عن سلطانه وقدرته. وفي هذا تذكير للإنسان بعظمة الله وقدرته، وأنه لا مفر من حسابه وعقابه. كما تشير الآية إلى أن الله يعلم ما تخفيه الصدور وما تعلنه الألسن، وأنه سيحاسب الناس على ما في أنفسهم من خير أو شر. وهذا يشمل النوايا والأفكار والمشاعر، فالله يعلم السر وأخفى. ثم يختم الله الآية ببيان مشيئته في المغفرة والعذاب، وأنه على كل شيء قدير.

يشير بعض المفسرين إلى أن هذه الآية نزلت في سياق الحديث عن الشهادة في آية الدين، وأنها تحذير للشهود من كتمان الشهادة أو تحريفها، وأن الله سيحاسبهم على ذلك. ولكن المعنى العام للآية أوسع من ذلك، فهو يشمل كل ما يخفيه الإنسان أو يعلنه من خير أو شر.

استجلاء معنى الآية الثانية

تأتي بعدها الآية الكريمة:
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285].
هذه الآية الكريمة تتحدث عن إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بهم جميعاً. وفي هذا رد على اليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض الرسل وكذبوا ببعض. كما تتضمن الآية إقرار المؤمنين بالسمع والطاعة لله ورسوله، وأنهم يسألون الله المغفرة ويتوجهون إليه بالدعاء، وأن إليه المصير والمرجع.

في هذه الآية، يثني الله على المؤمنين لتصديقهم الرسل جميعًا، وعدم تفريقهم بين نبي وآخر في التصديق والتعظيم، فيقرون أن ما جاؤوا به جميعًا كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته.

بيان مراد الآية الثالثة

ثم تأتي الآية الكريمة الأخيرة:
لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286].
هذه الآية الكريمة تتضمن تخفيفاً من الله على عباده، وأنه لا يكلفهم إلا بما يطيقون، وأن لهم ثواب ما عملوا من خير، وعليهم وزر ما ارتكبوا من شر. ثم تتضمن الآية دعاءً عظيماً يتضرع به المؤمنون إلى الله، بأن لا يؤاخذهم بما نسوا أو أخطأوا، وأن لا يحمل عليهم من التكاليف الشاقة ما كان على الأمم السابقة، وأن يعفو عنهم ويغفر لهم ويرحمهم، وأن ينصرهم على القوم الكافرين.

توضح هذه الآية سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها، وأن الله لم يكلف عباده بما يشق عليهم أو يعجزون عنه. كما أنها تعلمنا الدعاء والتضرع إلى الله، وأن نسأله العفو والمغفرة والرحمة والنصر.

المصادر

  • القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيات 284-286.
  • الطبري أبو جعفر،كتاب تفسير الطبري جامع البيان ط دار التربية والتراث.
  • الواحدي،التفسير البسيط.
  • تفسير أواخر سورة البقرة،الألوكة الشرعية.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

شرح وتوضيح قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة)

المقال التالي

استضائات حول آيات الستر في سورة النور

مقالات مشابهة