أحكام تقديم الخبر: ضرورة وإباحة

استكشاف أحكام تقديم الخبر على المبتدأ في اللغة العربية، الحالات التي يجب فيها تقديم الخبر، والحالات التي يجوز فيها ذلك.

مقدمة

تعتبر دراسة الجملة الاسمية من الركائز الأساسية في علم النحو العربي. تتكون الجملة الاسمية بشكل أساسي من مبتدأ وخبر، ويخضع ترتيب هذين الركنين لقواعد دقيقة تحدد متى يتقدم المبتدأ ومتى يتقدم الخبر. في هذا المقال، سنتناول بالشرح والتفصيل الأحكام المتعلقة بتقديم الخبر على المبتدأ، سواء كان هذا التقديم واجباً أو جائزاً، مع ذكر الأمثلة التوضيحية.

مواضع وجوب تقديم الخبر على المبتدأ

هناك حالات محددة في اللغة العربية يستوجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ، وتجاهل هذه الحالات يعتبر مخالفة لقواعد اللغة. فيما يلي أهم هذه الحالات:

  • إذا كان المبتدأ نكرة غير مخصصة: عندما يكون المبتدأ اسماً نكرة، ولا يوجد ما يخصصه أو يوضحه، فيجب تقديم الخبر عليه إذا كان الخبر شبه جملة (جار ومجرور أو ظرف). مثال على ذلك: “فوق الطاولة كتابٌ”، و “في الجامعة مكتبةٌ”. لا يمكن القول “كتابٌ فوق الطاولة” أو “مكتبةٌ في الجامعة”؛ لأن ذلك يخل بالمعنى المراد.
  • إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر: إذا كان المبتدأ يحتوي على ضمير يعود على جزء من الخبر، فيجب تقديم الخبر لتجنب عودة الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. مثال: “في المدرسة تلاميذها”. فالضمير “ها” في كلمة “تلاميذها” يعود على “المدرسة”. لا يجوز قول: “تلاميذها في المدرسة”. الإعراب يكون كالتالي: في: حرف جر، المدرسة: اسم مجرور، وشبه الجملة خبر مقدم، تلاميذها: مبتدأ مؤخر مرفوع، والهاء مضاف إليه.
  • إذا كان الخبر من أسماء الاستفهام التي لها حق الصدارة: أسماء الاستفهام مثل “أين” و “متى” يجب أن تتصدر الجملة. مثال: “أين المحفظة؟”. لا يصح أن نقول: “المحفظة أين؟”. الإعراب: أين: اسم استفهام مبني في محل رفع خبر مقدم، المحفظة: مبتدأ مؤخر مرفوع.
  • إذا كان الخبر محصوراً في المبتدأ: عندما يكون الخبر مقصوراً على المبتدأ باستخدام أدوات الحصر مثل “إلا” أو “إنما”، فيجب تقديم الخبر. مثال: “ما في الغرفة إلا عليّ”. الإعراب: ما: حرف نفي، في: حرف جر، الغرفة: اسم مجرور، وشبه الجملة خبر مقدم، إلا: حرف استثناء، عليٌ: مبتدأ مؤخر مرفوع.
  • إذا كان الخبر مثلاً سائراً: الأمثال الشعبية أو الحكم لا يجوز تغيير ترتيب كلماتها لأنها تفقد قيمتها ومعناها. مثال: “للذهب ثمنُ، والحكمة لا ثمن لها”.

حالات جواز تقديم الخبر على المبتدأ

يجوز للنحاة تقديم الخبر على المبتدأ في الحالات التي لا يوجد فيها سبب يوجب تقديم المبتدأ أو يوجب تقديم الخبر بشكل قاطع. هذه الحالات تتسم بالمرونة وتتيح للمتكلم حرية أكبر في التعبير. من أبرز هذه الحالات:

  • إذا كان الخبر شبه جملة والمبتدأ معرفة: في هذه الحالة، يمكن تقديم الخبر على المبتدأ دون الإخلال بالمعنى. مثال: “فوق السطح زيدٌ”. الإعراب: فوق السطح: شبه جملة في محل رفع خبر مقدم، زيدٌ: مبتدأ مؤخر مرفوع.
  • إذا كان معنى الخبر يستحق الصدارة: عندما يكون الخبر يحمل معنى يستدعي تقديمه لإبرازه. مثال: “ممنوعٌ الدخولُ”. الإعراب: ممنوعٌ: خبر مقدم مرفوع، الدخولُ: مبتدأ مؤخر مرفوع.
  • إذا كان المبتدأ والخبر مسبوقين بحرف استفهام أو نفي وكان الخبر وصفاً: في هذه الحالة، يجوز تقديم الخبر الوصف على المبتدأ. مثال: “أمسافرٌ أنت؟”. الإعراب: الهمزة: حرف استفهام، مسافرٌ: خبر مقدم مرفوع، أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ مؤخر.

مفاهيم أساسية حول الخبر والمبتدأ

لفهم أحكام تقديم الخبر، من الضروري استيعاب المفاهيم الأساسية للمبتدأ والخبر:

  • المبتدأ: هو الاسم الذي تبدأ به الجملة الاسمية، ويكون مرفوعاً في الأصل.
  • الخبر: هو الجزء الذي يكمل معنى المبتدأ، ويكون مرفوعاً أيضاً.

الأصل في الجملة الاسمية أن يتقدم المبتدأ على الخبر، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة، وتخضع للشروط التي ذكرناها.

يقول الدكتور محمود ياقوت في كتابه “النحو التعليمي والتطبيق في القرآن الكريم”:

يجب أن يتقدم الخبر على المبتدأ في الحالات التالية: إذا كان المبتدأ اسم نكرة وجاء بدون تخصيص مما يُخلّ بالمعنى المراد من المبتدأ، وفي هذه الحالة وجب تقديم الخبر على المبتدأ على أن يكون الخبر جارًا ومجرورًا أو ظرفًا، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: فوق الطاولة كتابٌ، وفي الجامعة مكتبةٌ، فلا يجوز في هذين المثالين أن يتقدم المبتدأ “كتابٌ” و”مكتبةٌ” وهما أسماء نكرة على الخبر شبه الجملة وهو في الجملة الأولى “فوق الطاولة”، وفي الجملة الثانية “في الحديقة”.إذا كان المبتدأ متصلاً بضمير يعود على شيء من الخبر، ومثال على ذلك قولنا: في المدرسة تلاميذها؛ فالضمير “ها” في “تلاميذها” مرتبطٌ بجزء من الخبر وهو “في المدرسة”، وهنا لا يجوز أن نقول: تلاميذها في المدرسة؛ حتى لا يكون الضمير عائداً على كلمة متأخرة في اللفظ والترتيب، ويكون إعراب هذه الجملة كالتالي:في:حرف جر،المدرسة:اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور (شبه الجملة) في محل رفع خبر مقدم،طلابها:(طلاب) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمة، وهو مضاف والضمير (ها) ضمير متصل مبني في محل مضاف إليه.إذا كان الخبر مستحقاً للصدارة في الجملة مثل أسماء الاستفهام، ومثال على ذلك قولنا: أين المحفظة؟ فلا يصحّ أن نقول: المحفظة أين؟ لأنّ اسم الاستفهام له الصدارة في الجملة، فتُعرب هذه الجملة كالأتي:أين:اسم من اسماء الاستفهام وهو مبني على الفتح في محل ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر مقدم،المحفظة:مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.إذا كان الخبر محصوراً في المبتدأ، ومثال على ذلك قولنا: ما في الغرفة إلا عليّ، فتُعرب هذه الجملة كالتالي:ما:حرف نفيمبنى على السكون،في:حرف جرّ،الغرفة:اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجار والمحرور (شبه الجملة) في محل رفع خبر مقدم،إلا:حرف استثناء وهو مبنى على السكون،عليٌ:مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضم الظاهر على آخره.إذا كان الخبر مثَلًا من الأمثال، فلا يصح إحداث تغيير في الأمثال لأنّ لها صورة معينة توصل معنى معيّنًا لا يصح تغيير شيء فيه، مثل أن نقول مثل: (للذهب ثمنُ،والحكمة لا ثمن لها)، فهنا تم تقديم الخبر وهو شبه الجملة (للذهب) على المبتدأ وهو ثمنٌ.

خلاصة

إن فهم أحكام تقديم الخبر على المبتدأ يعتبر جزءاً أساسياً من إتقان اللغة العربية وقواعدها النحوية. يجب على المتعلم أن يدرك الحالات التي يستوجب فيها التقديم، والحالات التي يجوز فيها، وأن يتدرب على تطبيق هذه القواعد في الأمثلة المختلفة.

المراجع

  • الدكتور محمود ياقوت (1996)، النحو التعليمي والتطبيق في القرآن الكريم، الكويت: مكتبة المنار الإسلامية.
  • د. عادل محمد جليوي الرفاعي (2016)، “التقديم والتأخير في الأمثال العربية الفصيحة”، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين القاهرة، العدد 33.
  • محمد أبو العباس (1996)، الإعراب الميسر، القاهرة – مصر: دار الطلائع.
  • خليفي غنية (2016-2017)، بنية الجملة العربية ودلالتها في ديوان “مقام الاغتراب” لعمار بن لقريشي، المسيلة – الجزائر: جامعة محمد بوضياف.
  • فؤاد نعمة (1973)، ملخص قواعد اللغة العربية (الطبعة التاسعة عشرة)، القاهرة – مصر: المكتب العلمي للتأليف والترجمة.
  • نسيمة حمّار (2017- 2018)، دروس في نحو اللغة، الجزائر: جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة.
  • دكتور عادل الرفاعي (2016)، “التقديم والتأخير في الأمثال العربية الفصيحة”، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين القاهرة، العدد 33.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

إيراد الخبر على المبتدأ في الذكر الحكيم

المقال التالي

أحكام تقديم المبتدأ على الخبر

مقالات مشابهة

استخدامات عملية لخاصية الشد السطحي

اكتشف مفهوم الشد السطحي وتطبيقاته المتنوعة في حياتنا اليومية، بدءًا من الغسيل بالماء الساخن وصولًا إلى صناعة الخيام، واستكشف دور الصابون والمنظفات، وتشكّل السوائل في الأنابيب، بالإضافة إلى فهم تكوين الفقاعات.
إقرأ المزيد