أحكام الالتزام بالصدقة عن طريق النذر

شرح مفهوم النذر وحكمه الشرعي، وبيان أحكام النذر بالصدقة، وتوضيح متى يصبح النذر ملزماً.

تعريف النذر وضوابطه الشرعية

النذر في اللغة مشتق من الفعل “نذر”، ويعني إلزام الشخص نفسه بفعل شيء لم يكن ملزماً به أصلاً.
أما في الاصطلاح الشرعي، فهو تعهد المسلم بفعل قربة أو طاعة لله تعالى لم يفرضها الله عليه ابتداءً.
ويتحقق النذر بكل لفظ يدل على هذا المعنى. ومن الجدير بالذكر، هناك بعض الاعتبارات الهامة:

  1. تباين آراء العلماء في مشروعية النذر:

    • الحنفية: يرون جواز النذر في الأمور التي تعد من الطاعات، مثل نذر صيام يوم شكراً لله على نعمة الولد.
    • المالكية: يستحبون النذر في الطاعات إذا كان مطلقاً، أما إذا كان معلقاً على شرط، فمنهم من يرى كراهته ومنهم من يجيزه.
    • الشافعية والحنابلة: يرون كراهة النذر بشكل عام، سواء كان مطلقاً أو معلقاً، مستندين إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
      “لا تَنْذِرُوا، فإنَّ النَّذْرَ لا يُغْنِي مِنَ القَدَرِ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ”.
  2. أنواع النذر:

    • نذر الطاعة: وفيه يلزم الشخص نفسه بفعل طاعة معينة عند حصوله على نعمة أو دفع ضرر عنه.
    • نذر اللجاج والغضب: وهو النذر الذي يستخدم كنوع من اليمين أو الحلف للحث على فعل شيء أو المنع منه.
    • النذر المطلق: مثل أن يقول الشخص: “لله علي نذر”، دون تحديد نوع النذر.
    • النذر المباح: مثل أن يقول الشخص: “لله علي أن ألبس ثوبي”.

الحكم الشرعي للالتزام بالصدقة عن طريق النذر

يتفق العلماء على وجوب الوفاء بالنذر إذا كان في طاعة الله وقربة إليه. وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى:
“يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا”
وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ”.
وبناءً على ذلك، إذا نذر شخص أن يتصدق بمال، وجب عليه الوفاء بنذره إذا تلفظ به. أما إذا كانت مجرد نية في القلب ولم يتلفظ بها، فإن ذلك لا يعتبر نذراً، ويكون مخيراً بين إخراج الصدقة وعدم إخراجها؛ لأن النذر لا يثبت بالنية فقط. وتجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

  1. إذا نذر شخص نذراً ثم تبين له عدم القدرة على الوفاء به، فعليه كفارة يمين، وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
    “ومن نذرَ نذرًا لا يطيقُهُ فكفَّارتُهُ كفَّارةُ يمينٍ. ومن نذرَ نذرًا أطاقَهُ فليفِ بهِ”.
  2. من الأفضل للمسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بالصدقة وغيرها من الطاعات والقربات دون الحاجة إلى النذر، وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
    “إنَّه لا يَأْتي بخَيْرٍ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ”.

توقيت لزوم الوفاء بالنذر

إذا كان النذر مطلقاً وغير مقيد بشرط أو مكان أو زمان، مثل أن يقول الشخص: “لله علي نذر صوم شهر”، أو “إخراج صدقة”، فيستحب له المبادرة بالوفاء بنذره وتنفيذه. أما إذا كان النذر معلقاً على شرط، مثل أن يقول: “إذا شفى الله مريضي، فالله علي صوم شهر”، فيلزمه الوفاء بالنذر متى تحقق الشرط. وإذا أوفى بالنذر قبل تحقق الشرط، اعتبر ذلك نفلاً وليس وفاءً بالنذر.

المصادر

  1. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 49-52.
  2. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته، صفحة 2559-2560.
  3. صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الحديث رقم: 1640.
  4. سورة الانسان، آية: 7
  5. صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الحديث رقم: 6696.
  6. محمد المنجد، موقع الاسلام سؤال وجواب، صفحة 4362.
  7. إسلام ويب، “إذا عجزت عن الذبح فعليك كفارة يمين”، 20/12/1999.
  8. تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الله بن عباس، الحديث رقم: 365.
  9. صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الحديث رقم: 1639.
  10. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته، صفحة 2567-2568.
Total
0
Shares
المقال السابق

أحكام النذر المتعلقة بالذبح

المقال التالي

آراء الفقهاء في النذر المتعلق بالعبادات

مقالات مشابهة