وصف الجنة و بهجتها للمتقين

استكشاف مفصل لجمال الجنة ونعيمها، مع التركيز على أهمية التقوى في الوصول إليها. تعرف على تفاصيل الحياة الآخرة و سبل الفوز برضا الله و جنته.

تمهيد عن الجنة

الثناء والحمد لله، الذي أعد لعباده المؤمنين منازل الكرامة، و جنات النعيم، دار الخلد التي لا فناء لها. الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وهدانا إليه. الحمد لله الذي بين لنا طريق الخير وأرشدنا إليه. الحمد لله الذي جعل الجنة غاية المتقين ومأوى الصالحين.

نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها من عذاب النار وتدخله الجنة. و نشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من وطئ الثرى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحث على خشية الله

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي مفتاح كل خير، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة. فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه. قال الله -تعالى-:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

فالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، وهي العروة الوثقى التي لا تنفصم، فتمسكوا بها عباد الله، تفلحوا وتفوزوا برضا الله وجنته.

القسم الأول: لمحة عن الجنة

أيها الإخوة، جُبلت النفوس على طلب الراحة والسكينة، والبحث عن كل ما يجلب السعادة. الناس في هذه الدنيا يسعون جاهدين لإشباع رغباتهم وتحقيق أمانيهم. منهم من يكد ويكدح لجمع المال، ومنهم من يسعى لتكوين أسرة كبيرة، ومنهم من يرى السعادة في المظاهر الزائفة، كالسيارات الفارهة والملابس الثمينة. ولكن هذه المتع زائلة، ونعيمها قليل.

مهما جمع الإنسان من حطام الدنيا، فإنه قليل وزائل. قال الله -تعالى-:

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى).

لهذا أعد الله لعباده المتقين نعيمًا دائمًا لا يزول، إنه جنة الفردوس التي وعد الله بها عباده الصالحين.

أيها الأحبة، هيا بنا نذهب في جولة سريعة لاستكشاف بعض ما أعده الله لنا في الجنة. أهل الإيمان يأتون أفواجًا، ولكنهم لا يبادرون بالدخول، بل الجنة هي التي تقترب منهم وتفتح لهم أبوابها العظيمة، أبواب لا مثيل لها في الاتساع، فالمسافة بين مصراعي الباب الواحد مسيرة أربعين عامًا. وقد أخبرنا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن هذه الأبواب ستكون مزدحمة يوم القيامة.

للجنة ثمانية أبواب، يدخل المؤمن من أيها شاء، وسط حفاوة وتكريم من الملائكة الذين يهنئونهم بالسلام والخلود. قال الله -تعالى-:

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

القسم الثاني: تفاصيل من نعيم الجنة

أيها المؤمنون، بعد الدخول إلى الجنة، ينعم الفائزون بنعيم أبدي لا ينقطع. يتقلبون في أنواع الملذات، يجلسون على الأسرة المريحة المفروشة بالسندس والإستبرق، ويتكئون على الأرائك المزينة. يأكلون من أطيب الطعام وألذه، ويشربون من الأنهار الجارية من خمر وعسل ولبن مصفى. فيها من الفاكهة ما تشتهيه الأنفس، ومن لحم الطير ما يلذ.

ويتمتعون بالحور العين، اللواتي خلقهن الله للمؤمنين، فهن قاصرات الطرف، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان. ظلها دائم، ونعيمها لا حدود له، ولا يشبه شيئًا من نعيم الدنيا. فالزعفران هو ترابها، واللؤلؤ هو حصباؤها، وهواؤها عليل، والمسك يفوح من جدرانها.

تخيلوا حياة لا مرض فيها، ولا موت، ولا فقر، ولا حزن، ولا هم. تسمعون مناديًا يناديكم:

(إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا).

عباد الله، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فجددوا إيمانكم بـ “لا إله إلا الله”، واعلموا أن مفتاح الجنة هو شهادة أن لا إله إلا الله.

استبشروا بدار النعيم، وتذكروا الحور العين اللواتي وصفهن الله بقوله:

(فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ).

والنعيم الأعظم هو رؤية وجه الله الكريم. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

(أَما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ).

وبعد كل هذا النعيم، يسأل الله -تعالى- أهل الجنة هل رضوا بهذا الجزاء العظيم، ويبشرهم بالمزيد، فيعدهم برضوانه الأبدي الذي لا يسخط عليهم بعده أبدًا. فأي فوز وأي فلاح أعظم من هذا الفلاح؟

التضرع إلى الله

اللهم ارزقنا الخلود في جنات النعيم، ومرافقة الأنبياء والمرسلين. اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم، وسلطانك العظيم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلّة. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل. اللهم وفقنا للفوز برضوانك، وخذ بأيدينا نحو جنانك.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح الآخرة التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة من كل خير وراحة من كل شر. اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كلّ مكان، اللهم اشفِ مريضهم، وعافِ مبتلاهم، وفكّ أسراهم، وارحم ضعفاءهم، وصلّ الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

المصادر

  • أبمحمد بن قاسم، موضوعات صالحة للخطب والوعظ، صفحة 293. بتصرّف.
  • سورة النساء، آية:1
  • “إصلاح القلوب”، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
  • سورة النساء، آية:77
  • أبسامي الحمود،”خطبة رحلة إلى الجنة”،صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
  • سورة الزمر، آية:73
  • محمد بن عثيمين،الضياء اللامع من الخطب الجوامع، صفحة 74. بتصرّف.
  • رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2837، صحيح.
  • سورة الرحمن، آية:56-58
  • أبمحمد الشرافي (7/5/2015)،”وصف الجنة ونعيمها”،ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 3/3/2022. بتصرّف.
  • رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:633، صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تعزيز الثقة بالله وأثرها في حياتنا

المقال التالي

أهمية المحبة في الله وثمارها

مقالات مشابهة