مقدمة
حث الدين الإسلامي الحنيف على الاهتمام بالنظافة الشخصية والجمال الظاهري، ويشمل ذلك العناية بالشعر واللحية للرجال. من الأسئلة الشائعة التي تطرح في هذا السياق: ما هو الحكم الشرعي لإزالة شعر اللحية؟ وهل يعتبر حلق اللحية مخالفة دينية؟ نسعى في هذا المقال إلى تقديم توضيح مفصل لآراء الفقهاء من المذاهب الأربعة الرئيسية: الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة حول هذه المسألة.
الرأي الحنفي في اللحية
يرى علماء المذهب الحنفي أن حلق اللحية يعتبر مكروهاً كراهة تحريمية. ويستندون في ذلك إلى أن السنة النبوية تشير إلى ضرورة إبقاء اللحية بطول قبضة اليد على الأقل. ويعنون بذلك أنّه يجوز قصّ ما زاد عن طول القبضة، ولكن لا يجوز حلقها بالكامل أو تقصيرها إلى أقل من هذا المقدار.
وجهة النظر المالكية حول اللحية
يتفق علماء المذهب المالكي على أن حلق اللحية محرم للرجال. ولكنهم يجيزون تقصير اللحية إذا كانت طويلة بشكل مفرط وغير معتاد، وذلك بهدف تحسين المظهر العام. ويعتبرون تهذيب اللحية الزائدة عن الحد المستحب نوعاً من الاستحسان والتجميل.
المنظور الشافعي في اللحية
يعتبر فقهاء الشافعية أن حلق اللحية مكروه. ولقد ذكر الإمام النووي رحمه الله أن من بين الخصال المكروهة للرجال حلق اللحية، أما بالنسبة للنساء، فيستحب لهن حلق شعر اللحية إذا نبت لهن.
وبالنسبة لمسألة إطلاق اللحية، وما قد يبدو من تعارض بين النصوص التي توصي بإطلاق اللحية وتلك التي تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته طولاً وعرضاً، فإن ذلك يدل على أن إعفاء اللحية هو من باب الندب. والأمر الوارد في نصوص النهي يدل على كراهة حلق اللحية.
رأي الحنابلة في اللحية
يذهب علماء الحنابلة إلى أن حلق اللحية يعتبر محرماً. ويؤكدون على ضرورة إعفاء اللحية وعدم قصها إلا إذا تجاوز طولها حداً كبيراً. كما يجيزون تقصير ما زاد عن قبضة اليد منها.
حكم حلق اللحية في الظروف الاستثنائية
بعد استعراض آراء المذاهب الأربعة في حكم حلق اللحية، من الضروري الإشارة إلى أن الأحكام السابقة تتعلق بالحالات الطبيعية. أما إذا كان إطلاق اللحية يسبب مشاكل في العمل أو غيرها من جوانب الحياة، فينبغي على الشخص استشارة أهل العلم والاختصاص. فكل حالة وظرف له خصوصيته، وقد تستدعي الضرورة التي يقدرها العلماء حكماً مختلفاً.
حكم الشارب في المذاهب الأربعة
للمذاهب الأربعة آراء مختلفة في حكم حلق الشارب، وفيما يلي تفصيل لذلك:
الرأي الحنفي في الشارب
يرى الحنفية أن حلق الشارب من السنة، والأفضل أن يكون القص من الطرف الأعلى للشفة العليا.
وجهة النظر المالكية حول الشارب
استدل المالكية على حكم حلق الشوارب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحْفُوا الشَّوارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى). وقالوا بأن الأمر للوجوب، أي قص الشارب، وأما بالنسبة لحلقه، فإن ذلك منهي عنه.
المنظور الشافعي في الشارب
يقول الشافعية بأن حف الشارب من أصله مكروه؛ وبأن المقصود بما ورد في السنة النبوية من حف الشارب هو أن يتم حف ما يأتي على أطراف الشفة؛ ويستحب قص الشارب.
رأي الحنابلة في الشارب
يرى الحنابلة أن الأفضل هو قص الشارب وإعفاء اللحية، وذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
المراجع
- أبوهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2659.
- النفراوي، كتاب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، صفحة 307. بتصرّف.
- ابن حجر الهيتمي، كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي، صفحة 376. بتصرّف.
- البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، صفحة 75. بتصرّف.
- سماحة المفتي العام الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (25/1/2010)، “حكم حلق اللحية وحكم تخفيفها”، دار الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2022. بتصرّف.
- ابن مودود الموصلي، كتاب الاختيار لتعليل المختار، صفحة 167. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:259، حديث صحيح.
- القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة، صفحة 1704-1705. بتصرّف.
- زكريا الأنصاري، كتاب أسنى المطالب في شرح روض الطالب، صفحة 550. بتصرّف.
- صالح الفوزان، كتاب الملخص الفقهي، صفحة 37. بتصرّف.