فهرس المحتويات
الموضوع | الرابط |
---|---|
نوح عليه السلام: أول رسول إلى الأرض | الجزء الأول |
دعوة نوح ودعائه لقومه | الجزء الثاني |
بناء السفينة وموقف قوم نوح | الجزء الثالث |
نهاية قوم نوح والطوفان العظيم | الجزء الرابع |
مفهوم الرسالة والرسول في الإسلام | الجزء الخامس |
الحكمة الإلهية من إرسال الرسل | الجزء السادس |
بداية الرسالة الإلهية: نوح أول رسول
يُعتبر نبي الله نوح -عليه السلام- أول رسول يُبعث إلى الأرض، كما جاء في حديث الشفاعة: “(ولكنِ ائتوا نوحًا، فإنه أولُ رسولٍ بعثه اللهُ إلى أهلِ الأرضِ، فيأتون نوحًا فيقولون: أنت أولُ رسولٍ بعثه اللهُ إلى أهلِ الأرضِ)” [١]. بينما كان آدم -عليه السلام- أول الأنبياء. يُعرف نوح -عليه السلام- بأبو البشرية الثاني، وأحد أولي العزم من الرسل. كلفه الله تعالى بالتبليغ، وهداه إلى الحق، فدعوته شملت جميع من حوله بعد الطوفان. وقد ذكر الله تعالى قصته في القرآن الكريم، مخصصاً له سورة كاملة لما تحمل دعوته من أهمية بالغة [٣].
نداء الحق: دعوة نوح الطويلة
بعد آدم -عليه السلام- عاش الناس عشرة قرون على التوحيد، إلا أنهم بعد ذلك تخلوا عن عبادة الله تعالى، ووقعوا في الشرك. كان قوم نوح أول من انحرفت عقائدهم على وجه الأرض. بدأ ذلك بوجود رجال صالحين اقتدى بهم الناس، فلما ماتوا صنعوا لهم تماثيل ليذكروا أنفسهم بعبادتهم. ثم جاءت أجيالٌ من بعدهم، ووسوس إبليس إليهم بأن آباءهم كانوا يعبدون تلك التماثيل، فانخدعوا و عبدوها. فبعث الله تعالى إليهم نوحاً -عليه السلام- في أرض العراق [٤]. استمرت دعوة نوح -عليه السلام- ألف سنة إلا خمسين عاماً، كما ورد في القرآن الكريم: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا” [٥]. استمرّ في دعوته بلا كلل، إلا أن قليلًا منهم آمنوا، وكثيرًا كفروا. فقال تعالى: “وَأوحِيَ إِلى نوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَفعَلونَ” [٦]. ودعا نوح ربه أن يهلك من كفر من قومه: “وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا” [٧] [٤].
رمز الصبر والإيمان: بناء السفينة
بعد كفر قوم نوح، أمره الله تعالى ببناء السفينة: “وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ” [٨]. بدأ نوح بقطع الخشب، وسخر منه قومه للبناء على اليابسة، وتركه للدعوة ليكون نجاراً. يقول تعالى: “وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ” [٩]. وقد ذكر ابن عباس أن الأرض في زمن نوح كانت خالية من البحار والأنهار، فكان سخرية قومه أكبر. وحذرهم نوح من عواقب كفرهم: “قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ* فَسَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ” [١٠] [١١].
غضب السماء: الطوفان ونهاية الكافرين
أوحى الله تعالى لنوح بعلامة قرب العذاب، وهي خروج الأرض لكتل نارية، فاستقلّ نوح ومن آمن معه في السفينة، وكان عددهم حوالي الأربعين، أو سبعة عشر، وحمل معهم من الحيوانات زوجين اثنين. يقول تعالى: “قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ” [١٢]. ثمّ أرسل الله مطراً غزيراً، وتفجرت الأرض بالمياه: “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ” [١٣] [١٤]. حتى ابن نوح كفر، ورفض ركوب السفينة، ولم ينجُ أحد من الكافرين. يقول تعالى: “(وَهِيَ تَجري بِهِم في مَوجٍ كَالجِبالِ وَنادى نوحٌ ابنَهُ وَكانَ في مَعزِلٍ يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ* قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّـهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ)” [١٥]. بعد أن هدأت العاصفة، استقرت السفينة على جبل الجودي: “وَقيلَ يا أَرضُ ابلَعي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقلِعي وَغيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجودِيِّ وَقيلَ بُعدًا لِلقَومِ الظّالِمينَ” [١٦].
معنى الرسالة: فهم مفهوم الرسول
كلمة “رسول” في اللغة تعني من يحمل ويُوصل الرسالة، سواءً كانت مكتوبة أو شفوية. أما اصطلاحاً، فهو من يُبعث من الله تعالى، مُكلف بحمل رسالته وتبليغها للناس. يقول تعالى: “ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى” [١٨] [١٩].
لماذا أرسل الله رسله؟
أرسل الله تعالى رسله لحكم عديدة، منها: تبليغ الناس ما يحبه الله وما يكرهه، وتوجيههم لعبادته وحده، وإرشادهم لطريق السعادة في الدنيا والآخرة. تعريف الناس بغاية خلقهم، وهي العبادة، كما قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ” [٢١]. إقامة الحجة على الناس، كما جاء في القرآن: “رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً” [٢٢]. بيان ما خفي من الغيب، ومعرفة الله تعالى، وأسمائه وصفاته، وجزاء المؤمنين والكافرين. مدح المؤمنين بالغيب: “ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ” [٢٣]. اقتداء الناس بالرسل في حياتهم، وإرشادهم لما فيه صلاح نفوسهم، وتزكيتهم، وإلى الأخلاق الحسنة: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ” [٢٤].