حكاية جحا والمهر
يحكى أن جحا، في أحد الأيام، كان يمشي في طريق طويل ومرهق تحت أشعة الشمس الحارقة. أحس بالتعب والإرهاق، وتمنى لو كان لديه دابة تقله وتريحه من عناء السير. بينما هو جالس يستريح تحت ظل شجرة، مر به فارس يجر مهرًا صغيرًا يبدو عليه التعب الشديد. طلب جحا من الفارس أن يحمل المهر على ظهره ليريح الحيوان المسكين، لكن الفارس رفض. فما كان من الفارس إلا أن ضرب جحا ضربًا موجعًا بالسوط. خوفًا من المزيد من الضرب، حمل جحا المهر على ظهره وركض به بأقصى سرعة حتى وصل إلى المدينة. ما إن وصل حتى سقط على وجهه من التعب، وهو يتمتم: “يا رب، تمنيت أن يكون لدي حمار أركبه عندما أتعب، ولكنك أرسلت لي حمارًا يركبني!”
وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن القدر قد يأتي بما لا نتوقع، وأن الأمنيات قد تتحقق بطرق غير مألوفة.
كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216).
ففي بعض الأحيان، ما نراه شرًا قد يكون فيه الخير الكثير، وما نتمناه قد لا يكون في صالحنا.
ففي ذلك عبرة لكل من يتأفف من قضاء الله وقدره.
قصة الحصان ذو البأس
في مجلس من المجالس، كان جحا جالسًا مع جماعة من الناس يتحدثون عن بطولاتهم وفروسيتهم في الماضي. أراد جحا أن يظهر لهم أنه بطل وشجاع مثلهم، فبدأ يحكي لهم قصة حصان لا يستطيع أحد أن يركبه. أخبرهم كيف أن أشجع الرجال في قريته لم يتمكنوا من الاقتراب منه، وأن أبطالًا مغاوير حاولوا القفز على ظهره ولكن الحصان كان يسقطهم أرضًا. استمر جحا في سرد أسماء الشجعان الذين حاولوا ركوب الحصان وكيف كان الحصان يهزمهم جميعًا.
عندما حان الوقت ليخبرهم كيف تمكن هو من ركوب الحصان وهزيمته، بدأ يحكي لهم كيف رفع ثيابه وأمسك الحصان من عرفه وقفز فوقه. في هذه اللحظة، دخل صديق جحا فجأة، مما اضطر جحا إلى تغيير مسار الحكاية على الفور، وقال لهم: “ولكنني لم أستطع أن أركبه أنا أيضًا!”
يذكر أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “الكلام كالدواء، إن قللت نفعت، وإن أكثرت قتلت”. ففي هذا الموقف، أدرك جحا أهمية اختيار الكلمات وتغيير الحديث لتجنب الإحراج.
ففي ذلك دلالة على أهمية الفطنة وسرعة البديهة في المواقف المحرجة.
حكاية جحا والذهب المفقود
في أحد الأيام، باع جحا حماره في السوق مقابل مبلغ كبير من الذهب. خوفًا من أن تنفق زوجته الذهب دون تفكير، بدأ بالبحث عن مكان يخفي فيه الذهب بعيدًا عن متناول يدها. بعد تفكير عميق وتخطيط طويل، خطر على بال جحا مكان لن تستطيع زوجته اكتشافه. توجه إلى الصحراء ودفن الذهب في الرمل تحت غيمة، معتبرًا الغيمة علامة تدله على مكان الذهب. ترك جحا الذهب في ذلك المكان وعاد إلى منزله مسرعًا وواثقًا بذكائه.
بعد أسبوع، عاد جحا ليحضر الذهب، فبحث عنه وعن الغيمة طويلًا ولكن لم يجده. فقد اختفت الغيمة واختفى معها مكان مخبأ الذهب!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه”. ففي قصة جحا عبرة عن أهمية التخطيط السليم والتدبير الحكيم في حفظ المال.
ففي ذلك تحذير من التبذير وسوء التدبير المالي.
قصة جحا وبائع الحليب المحتال
في كل مرة يشتري فيها جحا الحليب، يجده مغشوشًا بالماء. في يوم من الأيام، قرر أن يذهب إلى السوق ويشتري الحليب دون أن يتمكن الباعة من خداعه. في هذه المرة، أخذ جحا معه وعاءين فارغين وتوجه إلى بائع الحليب. طلب منه أن يملأ الحليب في أحد الوعاءين. عندما استغرب البائع من حمل جحا وعاءين وهو يريد تعبئة وعاء واحد، قال له جحا: “هذان الوعاءان لكي تضع الحليب في وعاء، والماء الذي ستغش به الحليب في الوعاء الآخر!”
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ليس من العقل أن يكون الإنسان على حال واحدة”. ففي تصرف جحا دلالة على الذكاء والفطنة في التعامل مع المواقف الصعبة.
ففي ذلك دليل على أهمية الحذر واليقظة في التعامل مع الآخرين.
المصادر
- منصور علي عرابي، حكايات جحا والحمار، صفحة 3. بتصرّف.
- منصور علي عرابي، حكايات جحا والحمار، صفحة 8. بتصرّف.
- مولاي بن عبد الدايم بن أنداه، موسوعة القصص والأقوال المأثورة، صفحة 167. بتصرّف.
- سعد رفعت، نكت في نكت، صفحة 34. بتصرّف.