مقدمة حول خبر الآحاد
في علم الحديث، يُعد خبر الآحاد من المصطلحات الهامة التي لها دلالات خاصة في الفقه وأصوله. الخبر لغةً هو الإعلام بالشيء، واصطلاحاً هو ما يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ولم يبلغ درجة التواتر. الإمام الغزالي رحمه الله عرف خبر الآحاد بأنه “ما لا ينتهي إلى حد التواتر المفيد للعلم”.
يتفرع خبر الآحاد إلى أقسام ثلاثة رئيسية هي: المشهور، والعزيز، والغريب. علماء الحنفية، كما هو الحال عند علماء المذاهب الفقهية الأخرى، لا يردون أحاديث الآحاد بشكل قاطع، ولكنهم يضعون شروطًا أكثر صرامة لقبولها والاحتجاج بها، خاصة في الأمور التي تمس حياة الناس بشكل يومي.
يرجع تشدد فقهاء الحنفية في قبول بعض أخبار الآحاد إلى اعتبارات علمية ومنهجية دقيقة. فقد رفض المتأخرون منهم خبر الواحد إذا كان يتعلق بأمر “تعم به البلوى”، أو إذا كان مخالفًا للأصول الشرعية العامة. ومع ذلك، فإن رفضهم لبعض أحاديث الآحاد لا يعني بالضرورة اتفاقهم مع من ينكرون حجية خبر الآحاد بشكل كامل.
ضوابط قبول خبر الآحاد عند الحنفية
وضع غالبية علماء الحنفية شروطًا خاصة لقبول أحاديث الآحاد التي لم تصل إلى درجة الشهرة، وهي شروط تخالف ما يراه جمهور الفقهاء. من أبرز هذه الشروط:
- أن لا يكون الخبر مما تعم به البلوى: والمقصود بذلك الأمور التي يحتاج إليها الناس بكثرة وباستمرار. فالخبر الذي يقتضي بياناً متكرراً وشائعاً يجب أن ينقله جمع غفير من الناس، بحيث يفيد نقلهم العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخص به فرداً أو فردين فقط.
- أن لا يخالف الخبر الأصول والقواعد الثابتة في الشريعة: أي أن يكون متسقاً مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية.
- أن يكون الراوي فقيهاً: هذا الشرط ذكره بعض علماء الحنفية بشكل مطلق، بينما قيده آخرون بما إذا كان الحديث مخالفاً للقياس.
- أن لا يخالف الراوي من الصحابة ما رواه: فإذا عمل الصحابي شيئاً يخالف ما رواه، فإن روايته لذلك الحديث لا تُقبل.
يرى جمهور العلماء أنه إذا صح الحديث، وجب قبوله والعمل به، سواء كان مما تعم به البلوى أو لا. وأن نقل الحديث من قبل شخص واحد أو اثنين لا يعني بالضرورة أن غيرهم لم يسمع به أو يعمل به، فقد يكون ذلك ناتجاً عن تحرج الصحابة من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحجة الجمهور أن الخبر يصبح أصلاً بنفسه إذا خالف غيره، ويتم الجمع بينه وبين غيره من الروايات والأحاديث التي توافقه، وتحمل على معناه. والصحيح الذي عليه الجمهور قبول الخبر من الراوي العدل سواء أكان فقيهاً أو غيره؛ وذلك إذا لم يعارضه خبر أقوى منه، ومما يستدل به على ذلك أنه لا يشترط أن يكون الراوي فقيهاً في قبول خبر الواحد.
موقف الحنفية من تخصيص القرآن بخبر الآحاد
يرى فقهاء الحنفية أن دلالة العام في القرآن على أفراده قطعية ما لم يرد مخصص. بينما يرى جمهور العلماء أن دلالة العام ظنية. وبما أن خبر الآحاد عند الحنفية يفيد الظن، وعموم القرآن يفيد القطع، فإن الظني لا يمكن أن يخصص القطعي. وبالتالي، لا يجوز عندهم تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد.
بالمقابل، يجيز جمهور الفقهاء تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، معتبرين أن التخصيص هو بيان وليس إبطالاً للعمل بالعام. بينما يرى الحنفية أن العام في القرآن واضح ومبين ولا يحتاج إلى بيان.
وقد فرق الأصوليون الحنفية بين الفرض والواجب، وهذا خلافاً لما ذهب إليه جمهور المذاهب الفقهية الأخرى، والذين لم يميزوا بينهما. ويرى الحنفية أن الواجب يثبت بدليل ظني كخبر الآحاد، أما الفرض فلا يثبت إلا بدليل قطعي كالكتاب والسنة المتواترة أو المشهورة.
المصادر والمراجع
- مسعود صبري، “حجية أحاديث الآحاد في الأحكام الفقهية”، إسلام أون لاين.
- الإسلام سؤال وجواب، “ما هو خبر الآحاد؟”.
- إسلام ويب، فتاوى وأحكام متنوعة.
- عياض السلمي، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله.
- محمد حسن عبد الغفار، تيسير أصول الفقه للمبتدئين.