تقديم عام لكتاب الرحلة في طلب الحديث
يعتبر كتاب “الرحلة في طلب الحديث” من المصنفات القيمة التي تركها لنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب البغدادي. قام بتحقيق هذا الكتاب نور الدين عتر، وقد نشرت الطبعة الأولى منه عام 1975م عن دار الكتب العلمية في بيروت. يقع الكتاب في مجلد واحد ويضم عددًا من الصفحات التي تتناول موضوع ارتحال العلماء والباحثين لجمع الحديث النبوي الشريف وتدوينه والتأكد من صحته.
المحاور الرئيسية لكتاب الرحلة في طلب الحديث
تناول الخطيب البغدادي في كتابه هذا تاريخ وتوثيق رحلات التابعين والصحابة، وكذلك رحلات العلماء المسلمين بغرض تجميع الحديث النبوي وتدوينه. ومن أبرز الموضوعات التي تناولها الكتاب:
بيان أهمية السفر لطلب الحديث والحث عليه وتوضيح فضائله
في هذا القسم، يبدأ الخطيب البغدادي بمقدمة حول أهمية طلب العلم بشكل عام، ويستشهد بحديث نبوي شريف يوضح ذلك. فقد روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم”
ثم ينتقل للحديث عن قصة تبين أهمية الرحلة لطلب الحديث، حيث يروي عن كثير بن قيس أنه كان جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل وقال إنه قدم من المدينة المنورة لأنه علم أن أبا الدرداء يمتلك حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعه، فسأله أبو الدرداء: “ولا جئت لحاجة؟” فأجاب الرجل: “لا”، ثم سأله أبو الدرداء: “ولا لتجارة؟” فأجاب الرجل: “لا”.
فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه الحديث:
“من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك به طريقاً من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وأورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”
ويذكر الكتاب أيضاً:
“لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه رحل إلى اليمن وإلى مصر وإلى الشام وإلى البصرة والكوفة وكان من رواة العلم وأهل ذلك”
ذكر رحلة النبي موسى عليه السلام مع خادمه لابتغاء العلم
يتناول هذا الجزء قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، كما وردت في سورة الكهف. وينقل البغدادي عن سعيد بن جبير قوله: “قلت لعبد الله بن عباس أن نوف البكالي يزعم أن موسى ليس صاحب الخضر وإنما هو موسى آخر فقال ابن عباس: كذب عدو الله”، ويضيف ابن عباس نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيباً فَسُئل أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه حيث لم يَرد العلم إليه، فقال: عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو أعلم منك.”
ويستخلص البغدادي من هذه القصة أهمية التواضع في طلب العلم، قائلاً:
“التواضع لمن يلتمس منه ويؤخذ عنه ولو ارتفع عن التواضع لمخلوق أحد بارتفاع درجة وسمو منزلة لسبق إلى ذلك موسى فلما أظهر الجد والاجتهاد والانزعاج عن الوطن والحرص على الاستفادة مع الاعتراف بالحاجة إلى أن يصل العلم إلى ما هو غائب”
نماذج من رحلات الصحابة الكرام في طلب الحديث
يشير هذا القسم إلى مدى حرص الصحابة رضوان الله عليهم على طلب الحديث النبوي، وكيف كانوا يسافرون ويرتحلون من أجل الحصول على حديث واحد. يروي جابر بن عبدالله قصة رجل بلغه أن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظ حديثاً سمعه من النبي ولم يكن جابر قد سمعه، فاشترى جابر بعيراً وسافر لمدة شهر حتى وصل إلى الشام والتقى بعبدالله بن أنيس الأنصاري وسمع منه الحديث.
والحديث الذي سافر جابر بن عبدالله رضي الله عنه إلى الشام ليسمعه هو:
“يحشر الله العباد أو قال يحشر الناس قال وأومأ بيده إلى الشام عراة غرلاً بُهماً قلت: ما بُهما؟ قال: ليس معهم شيء، قال: فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة.”
قصص لمن رحل لشيخ لطلب الإسناد العالي فمات قبل الوصول إليه
يتناول هذا القسم قصة الصنابحي الذي هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه عندما وصل إلى منطقة الجحفة، التقى برجل أخبره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد توفي قبل يوم.
وعلى نفس المنوال، يورد الخطيب البغدادي قصة عن الإمام الشافعي الذي أخبر عن ابن يزيد الذي خرج إلى الكوفة لطلب العلم على يد أبي إسحاق الهمداني، ولكن عندما وصل إلى الكوفة، استقبلته جنازة أبي إسحاق الهمداني.
كما ورد في الكتاب:
“كان سبب دخولي البصرة لأن ألقى ابن عون فلما سرى إلى قناطر بني دارا تلقاني نعي ابن عون فدخلني ما الله به عليم”