نظرة في كتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد

لمحة عن كتاب البيان والتحصيل

يعتبر كتاب “البيان والتحصيل” للإمام أبي الوليد ابن رشد الجد، وهو من فقهاء الأندلس البارزين، من أهم المصادر في تاريخ الفقه المالكي. يتميز هذا الكتاب بأنه جمع واستوعب المسائل الموجودة في كتاب “المستخرجة” أو “العتبية” لمحمد العتبي، والذي يعتبر الأصل الذي بُني عليه كتاب البيان والتحصيل. كان فقهاء الغرب الإسلامي في الماضي يعتمدون بشكل كبير على “المستخرجة” ويحفظونها عن ظهر قلب. الاسم الكامل للكتاب هو: “البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة”.

وقد قيل عن الكتاب بأنه يحمل من اسمه نصيباً وافراً، فهو بيان وشرح وتوجيه وتعليل. يذكر ابن رشد في مقدمة الكتاب الدافع وراء تأليفه، حيث يقول إنه في سنة 502 هـ، جاءه جمع من فقهاء جيان بالأندلس وبعض تلاميذه وطلبة العلم، وطلبوا منه أن يقرأ عليهم في كتاب “الاستلحاق” من “العتبية”.

أثناء القراءة، ظهرت مسألة غير واضحة، فقام ابن رشد بتوضيحها وبيانها بشكل مفصل، مما جعلهم يطلبون منه أن يتتبع المسائل الصعبة في الكتاب ويقوم بشرحها وتوضيحها. في البداية، رفض ابن رشد هذا الطلب، ولكنه أدرك فيما بعد أن “العتبية” بأكملها تحتاج إلى توجيه وتوضيح، فقرر كتابة “البيان والتحصيل” في مسائل “المستخرجة”.

المنهجية المتبعة في كتاب البيان والتحصيل

يصنف كتاب البيان والتحصيل ضمن كتب المنهج التحليلي المقارن، حيث يتبع أسلوباً دقيقاً ومنظماً في عرض المسائل الفقهية وتحليلها ومقارنتها.

يمكن تلخيص المنهج الذي اتبعه ابن رشد في كتابه في النقاط التالية، كما أشار إليه في مقدمة الكتاب:

  • ذكر المسألة بنصها الأصلي كما وردت في “المستخرجة”.
  • شرح ألفاظ المسألة وتفسيرها، مع توضيح المعاني التي تحتاج إلى بيان وتفصيل.
  • ذكر آراء العلماء المختلفة في المسألة، مع تحصيلها وتجميعها، حيث أن بعض المسائل قد تتشعب وتتفرع إلى فروع مختلفة، وقد تختلف الإجابات باختلاف المعاني أو الآراء.
  • تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بين العلماء في المسائل، مع ذكر الأسباب التي أدت إلى هذا الخلاف.
  • توجيه المسائل التي تحتاج إلى توجيه، وذلك بالاعتماد على النظر الصحيح والاستدلال السليم.
  • إرجاع المسائل إلى أصولها الفقهية، والقياس عليها لاستنباط الأحكام.

معلومات عن مؤلف الكتاب

أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المعروف بابن رشد الجد، هو أحد أعلام المذهب المالكي وقاضي الجماعة في قرطبة. وهو جد الفيلسوف الشهير ابن رشد. ولد في قرطبة سنة 450 هـ الموافق 1058 م، ونشأ وتعلم فيها على يد كبار علماء الأندلس.

اتفق المؤرخون على أن محمد ابن رشد كان زاهداً، عفيفاً، كريماً، حسن الخلق، سهل المعاملة. كان أيضاً معلماً بالفطرة، يحب التدريس ويتقن أساليب الإبلاغ. كان يتميز بغزارة علمه، والتفكير المنظم، والقدرة على التعبير بطلاقة، والحرص على إفادة الطلاب.

قال تعالى في سورة العلق: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[العلق: 1-5]

أعمال أخرى لابن رشد

لابن رشد العديد من المؤلفات الأخرى بالإضافة إلى كتاب “البيان والتحصيل”، منها:

  • الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الحظ.
  • كتاب المقدمات والممهدات.
  • نوازل ابن رشد في مجلد ضخم جمعها تلميذه أبو الحسن ابن الوزان، ويسمى “ريضاً الفتاوى والأجوبة”.
  • اختصار المبسوطة ليحيى بن إسحاق بن يحيى الليثي.
  • تهذيب مشكل الآثار لأحمد الطحاوي الحنفي.
  • النوادر.
  • المسائل الخلافية.
  • اختصار الحجب على مذهب مالك بن أنس؛ مما روي عن زيد بن ثابت.

المصادر والمراجع

  • أبتعمامرة خيرة،الاستراتيجية الحوارية لابن رشد الجد في كتابه البيان والتحصيل.
  • مُحمَّد إبراهيم علي،اصلاح المذهب المالكي.
  • ابن رشد،البيان والتحصيل.
  • المكتبة الشاملة، “فهرس المؤلفين”.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر”.

Exit mobile version