نظرة في قصيدة حديقة الغروب لغازي القصيبي

دراسة تحليلية لقصيدة حديقة الغروب للشاعر غازي القصيبي: نظرة في المعاني والأبعاد الفنية والإيقاعية، مع استعراض لأهم المراجع.

مقدمة

تُعد قصيدة “حديقة الغروب” للشاعر السعودي الراحل غازي القصيبي من الأعمال الشعرية البارزة التي تتناول موضوعات عميقة تتعلق بالحياة والشيخوخة والموت. تستحق هذه القصيدة الدراسة المتأنية والتحليل المستفيض لما تحمله من معانٍ ودلالات فنية وإيقاعية. في هذا المقال، سنقوم باستعراض شامل لأهم جوانب هذه القصيدة، بدءًا من المحاور الرئيسية التي تتناولها، مرورًا بالجوانب الفنية التي تميزها، وصولًا إلى تحليل الإيقاع الذي يضفي عليها جمالًا خاصًا.

استكشاف المحاور المركزية في القصيدة

عند التأمل في مقاطع القصيدة، نلاحظ أنها تتكون من خمسة أجزاء، يعالج الشاعر في كل منها فكرة مختلفة، لكنها جميعًا تصب في بوتقة واحدة، وهي تقدم الشاعر في العمر. يتحدث الشاعر في بداية القصيدة عن وصوله إلى سن الخامسة والستين، وهو ما يجعله يشعر بقرب النهاية.

ومع ذلك، لا يزال الشاعر في حالة حركة وسعي دائم لتحقيق الإنجازات. يتساءل عن حاله، وهل وصل إلى مرحلة الإرهاق والملل، ويتفقد أحوال الأصدقاء والرفاق، وما آل إليه حالهم بعد انقطاع التواصل بينهم. كما يتضح في الأبيات التالية:

خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ:::أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت:::إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا:::يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ:::سوى ثُمالةِ أيامٍ.. تذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا:::قلبي العناءَ!… ولكن تلك أقداري

ثم ينتقل الشاعر إلى مخاطبة زوجته، معبرًا عن شكره وتقديره لاستمرارها معه في هذه المرحلة من العمر. يذكر أنها أنجبت له ولدين، وأحبته في شبابه وقوته، ورعته في شيخوخته، ويؤكد لها أنه لا يزال يعشقها، ويطلب منها أن تحدث الناس عن هذا الحب الأبدي حتى بعد وفاته.

في المقطع الثالث، يتناول الشاعر فكرة وصوله إلى الشيخوخة واقتراب أجله. يعلن أنه أصبح كالشبح، وعظمه واهن، وأنه لم يكن بطلاً في حياته. ثم ينتقل للحديث عن وطنه، مؤكدًا أنه كان خادمًا مخلصًا له، ويطلب من الوطن أن يذكره بعد موته بأنه كان وفيًا ولم يبع نفسه وقلمه للأعداء.

دراسة الجوانب الفنية

وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه:::ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ:::يهيمُ ما بين أغلالٍ. وأسوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما:::رأيتِ… مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ:::والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي:::فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً:::وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ

يستخدم الشاعر الخيال والتصوير الفني لخدمة أغراضه الشعرية. ففي المقطع الثالث، يصف فتاة تأتي في الفجر، تتميز بالجمال والروعة، وتحاول التقرب إليه، إلا أن الشاعر يرفض بلطف معللاً ذلك بتقدمه في السن وشيخوخته. هذا التوظيف يهدف إلى تعميق فكرة تقدمه في العمر واقتراب النهاية.

الشاعر يصور نفسه كالحديقة التي كانت مزدهرة بالأشجار والورود، ولكنها الآن تتجه نحو الموت. استخدام كلمة “الغروب” وإضافتها إلى كلمة “حديقة” يخلق انزياحًا دلاليًا، حيث تمثل الحديقة الشاعر، ويمثل الغروب الموت، وكأن دورة حياته تقترب من الانتهاء. وصفه لنفسه بالحديقة يدل على أنه كان صاحب عطاء وإنجاز.

يطلب الشاعر من الفتاة أن تهتم بكتبه وأشعاره، لأنها تعكس أفكاره وأخباره. الشاعر يسعى إلى تخليد نفسه من خلال ترك مؤلفاته تتداولها الأيدي، فالإنسان يبقى حيًا بإنتاجه الأدبي والفكري.

تحليل الجانب الإيقاعي

الإيقاع عنصر أساسي في بناء القصيدة الشعرية. فبدون الإيقاع الموسيقي، تفقد القصيدة جوهرها الشعري. ما يميز الشعر عن النثر هو أن الشعر كلام موزون، وتعتمد هذه القصيدة على البحر البسيط، وتفعيلاته مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن.

الإيقاع لا يقتصر على الوزن الشعري، بل يمتد إلى بنية الكلمات. استخدام كلمات تتضمن حروفًا متشابهة يخلق إيقاعًا موسيقيًا داخليًا. القصيدة تتضمن أجواء حزينة، وتحتاج إلى أصوات هادئة. وقد استخدم الشاعر حرف السين مكررًا في المقطع الأول للدلالة على الهمس:

خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ:::أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت:::إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

المصادر والمراجع

  • أسماء حجازي، “شرح قصيدة الغروب لغازي القصيبي”، الملف.
  • “حديقة الغروب”، الديوان.
  • حسناء القنيعير (22/8/2010)، “غازي ومواسم الحزن والموت”، جريدة الرياض.
  • نورة الجهني، التماسك النصي في قصيدة حديقة الغروب، صفحة 77.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في قصيدة حب بلا حدود لنزار قباني

المقال التالي

نظرة في قصيدة دار جدي لبدر شاكر السياب

مقالات مشابهة