نظرة في قصيدة: تعمدت قتلي في الهوى لحافظ إبراهيم

تحليل شامل لقصيدة حافظ إبراهيم: دراسة الأبعاد الأدبية، الفنية والإيقاعية. استكشاف المعاني العميقة والجماليات اللغوية للقصيدة.

مقدمة

تُعد قصيدة “تعمدت قتلي في الهوى” للشاعر حافظ إبراهيم من عيون الشعر العربي الحديث، فهي تجمع بين جمال اللفظ وعمق المعنى، وتعكس قدرة الشاعر على التصوير والتعبير عن المشاعر الإنسانية المختلفة. هذه المقالة ستتناول القصيدة بتحليل مفصل يغطي جوانبها المختلفة.

دراسة في أبعاد القصيدة

يبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية طويلة، يعرض فيها صورة عن نفسه كرجل ذي أخلاق حميدة، لكنه وقع أسير الحب. يبرر الشاعر هذا الوقوع بأنه لا يزال شابًا، والشباب يميل إلى الحب. لكنه يؤكد على أنه لم يتنازل عن كرامته، ولم يذل. يقول:

تَعَمَّدتُ قَتلي في الهَوى وَتَعَمَّدا:::فَما أَثِمَت عَيني وَلا لَحظُهُ اِعتَدى

كِلانا لَهُ عُذرٌ فَعُذري شَبيبَتي:::وَعُذرُكَ أَنّي هِجتُ سَيفاً مُجَرَّدا

هَوينا فَما هُنّا كَما هانَ غَيرُنا:::وَلَكِنَّنا زِدنا مَعَ الحُبِّ سُؤدُدا

وَما حَكَمَت أَشواقُنا في نُفوسِنا:::بِأَيسَرَ مِن حُكمِ السَماحَةِ وَالنَدى

بعد ذلك، يصف الشاعر رحلته للقاء محبوبته، وهي رحلة مليئة بالمخاطر. فقد علم أهلها بحبه لها وبقدومه، فاستعدوا لقتله. لكن عندما رأوه قادمًا من بعيد، وأدركوا شجاعته وقوته، قرروا الابتعاد عن طريقه والتظاهر بالنوم، حتى لا يقتلهم بسيفه. يقول:

تَيَمَّمتُها وَاللَيلُ في غَيرِ زَيِّهِ:::وَحاسِدُها في الأُفقِ يُغري بِيَ العِدى

سَرَيتُ وَلَم أَحذَر وَكانوا بِمَرصَدٍ:::وَهَل حَذِرَت قَبلي الكَواكِبُ رُصَّدا

فَلَمّا رَأَوني أَبصَروا المَوتَ مُقبِلاً:::وَما أَبصَروا إِلّا قَضاءً تَجَسَّدا

فَقالَ كَبيرُ القَومِ قَد ساءَ فَألُنا:::فَإِنّا نَرى حَتفاً بِحَتفٍ تَقَلَّدا

فَلَيسَ لَنا إِلّا اِتِّقاءُ سَبيلِهِ:::وَإِلّا أَعَلَّ السَيفَ مِنّا وَأَورَدا

فَغَطّوا جَميعاً في المَنامِ لِيَصرِفوا:::شَبا صارِمي عَنهُم وَقَد كانَ مُغمَدا

وَخُضتُ بِأَحشاءِ الجَميعِ كَأَنَّهُم:::نِيامٌ سَقاهُم فاجِئُ الرُعبِ مُرقِدا

الشاعر كان يعلم بتظاهرهم بالنوم، لكنه مرّ من خلالهم ووصل إلى محبوبته التي تعجبت من وصوله. أخبرها عن خوفهم ورعبهم منه، لكنها طلبت منه أن يعود من طريق آخر. بعد ذلك، أقبلت عليه لتقبيله، لكنه رفض، لأنه تذكر أنه فارس من فرسان الممدوح. يقول:

وَخُضتُ بِأَحشاءِ الجَميعِ كَأَنَّهُم:::نِيامٌ سَقاهُم فاجِئُ الرُعبِ مُرقِدا

وَرُحتُ إِلى حَيثُ المُنى تَبعَثُ المُنى:::وَحَيثُ حَدا بي مِن هَوى النَفسِ ما حَدا

وَحَيثُ فَتاةُ الخِدرِ تَرقُبُ زَورَتي:::وَتَسأَلُ عَنّي كُلَّ طَيرٍ تَغَرَّدا

وَتَرجو رَجاءَ اللِصِّ لَو أَسبَلَ الدُجى:::عَلى البَدرِ سِتراً حالِكَ اللَونِ أَسوَدا

وَلَو أَنَّهُم قَدّوا غَدائِرَ فَرعِها:::فَحاكوا لَهُ مِنها نِقاباً إِذا بَدا

فَلَمّا رَأَتني مُشرِقَ الوَجهِ مُقبِلاً:::وَلَم تَثنِني عَن مَوعِدي خَشيَةُ الرَدى

تَنادَت وَقَد أَعجَبتُها كَيفَ فُتَّهُم:::وَلَم تَتَّخِذ إِلّا الطَريقَ المُعَبَّدا

فَقُلتُ سَلي أَحشاءَهُم كَيفَ رُوِّعَت:::وَأَسيافَهُم هَل صافَحَت مِنهُم يَدا

فَقالَت أَخافُ القَومَ وَالحِقدُ قَد بَرى:::صُدورُهُمُ أَن يَبلُغوا مِنكَ مَقصِدا

فَلا تَتَّخِذ عِندَ الرَواحِ طَريقَهُم:::فَقَد يُقنَصُ البازي وَإِن كانَ أَصيَدا

فَقُلتُ دَعي ما تَحذَرينَ فَإِنَّني:::أُصاحِبُ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ أَيِّدا

فَمالَت لِتُغريني وَمالَأَها الهَوى:::فَحَدَّثتُ نَفسي وَالضَميرُ تَرَدَّدا

أَهُمُّ كَما هَمَّت فَأَذكُرُ أَنَّني:::فَتاكَ فَيَدعوني هُداكَ إِلى الهُدى

بعد المقدمة الغزلية، ينتقل الشاعر للحديث عن ممدوحه والثناء عليه، ملتزمًا بتقاليد القصيدة العربية التي تجمع بين مواضيع مختلفة، معتبرًا المقدمة الغزلية مدخلاً مناسبًا للمديح. يتضح هنا أن الشاعر يتبع الأساليب التقليدية في شعره.

تحليل فني

تعتمد القصيدة بشكل كبير على الصور الفنية. يرسم الشاعر لنفسه صورة الفارس الشجاع الذي يخافه الجميع. هذه الصورة تعبر عن فخره والتزامه الأخلاقي، حيث يربط هذا الوصف بغرض المديح، مؤكدًا أنه فارس من فرسان الممدوح ويتحلى بصفات البطولة.

ثم يصف الشاعر الممدوح بصفات عظيمة، فيصفه بالرجل ذي المكانة العالية والكرم والعطاء، المستحق للمدح. هو رجل جمع بين العلم والقوة، وبين المال والأخلاق، مما يجعله في نظر الشاعر جديرًا بالمدح والثناء. يقول:

وَهَبنِيَ مِن أَنوارِ عِلمِكَ لَمعَةً:::عَلى ضَوئِها أَسري وَأَقفو مَنِ اِهتَدى

وَأَربو عَلى ذاكَ الفَخورِ بِقَولِهِ:::إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِدا

سَلَبتَ بِحارَ الأَرضِ دُرَّ كُنوزِها:::فَأَمسَت بِحارُ الشِعرِ لِلدُرِّ مَورِدا

وَصَيَّرتَ مَنثورَ الكَواكِبَ في الدُجى:::نَظيماً بِأَسلاكِ المَعاني مُنَضَّدا

إطلالة على الإيقاع

تمت كتابة القصيدة على البحر الطويل، وهو بحر ذو تفعيلات ممتدة، مما يمنح الشاعر مساحة واسعة للتعبير عن أفكاره. كما أن هذا البحر كان شائعًا في كتابة المعلقات والقصائد الطويلة.

يلتزم الشاعر بقواعد الشعر العربي التقليدي، حيث يتبع النمط العمودي في القصيدة، ويقتفي أثر الشعراء السابقين في القافية والتصريع في البيت الأول، لخلق إيقاع موسيقي داخلي يدعم الإيقاع الخارجي للقصيدة، وهو أسلوب شائع في الشعر العربي.

المصادر

  1. “تعمدت قتلي في الهوى وتعمدا”، الديوان، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/3/2022.
  2. هند أبو دامس (5/7/2021)، “ما هي تفعيلات البحر الطويل”، بيت القصيد، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/3/2022.
Total
0
Shares
المقال السابق

نظرة في قصيدة تحية الشام لحافظ إبراهيم

المقال التالي

دراسة في قصيدة “ردوا علي الصبا” للبارودي

مقالات مشابهة