لمحة عامة حول القصيدة
عند التأمل في هذه القصيدة، يتضح أنها تركز على غرض الغزل الممزوج بشوق الفراق ومرارة البعد. يعبر الشاعر عن أسفه وعجزه عن الوصول إلى معشوقته، التي هي حاضرة أمامه، لكنه ممنوع من الاقتراب منها بسبب القيود الاجتماعية والأخلاقية التي كانت سائدة في المجتمع العربي، والذي كان يرفض أي علاقة خارج إطار الزواج.
يظهر الشاعر وهو يشتكي من عذاب الحب وصدود المحبوبة. فهي تعلم بمدى حبه وتعلقه بها، لكنها تستمتع بتعذيبه وإحراق قلبه، وتتعامل مع حبه باستهزاء دون أن تبادله أي مشاعر. وكأنها تتلذذ بعذابه.
دراسة الجوانب الفنية في القصيدة
يتعمق الشاعر في وصف حالته النفسية ومعاناته في حب هذه المرأة. يصوّر نفسه وهو يراها ولا يستطيع الوصول إليها كناقة تحمل الماء في الصحراء، لكنها لا تستطيع أن تصل إلى هذا الماء. هذه الصورة تجسد شعور الشاعر الذي يعاني من ألم الصد والتدلل الذي تمارسه عليه المحبوبة.
يبرر الشاعر حبه بجمال المحبوبة، فهي كالبدر الذي يسحر كل من يراه. فكما يسهر الناس على ضوء البدر، يسهر الشاعر على صورتها وذكراها الراسخة في قلبه. ويصف قوامها وغصنًا يانعًا، فهي تجمع بين جمال الوجه والجسم، وهذا يبرر حالته بعد أن كان ممتنعًا عن الحب.
يظهر الشاعر قدراته اللغوية وبراعته في الشعر، فيحاول التخلص من الوقوع في التكرار. فقد شبه محبوبته بالبدر، والبدر يتحول إلى هلال في النهاية، لذلك يحرص الشاعر على أن تكون أيام وجه المحبوبة كلها بدرًا.
التحليل الإيقاعي للقصيدة
تلتزم هذه القصيدة بوحدة الوزن والقافية، والوزن الشعري هو أساس الشعر العربي. تعتمد القصيدة على البحر الطويل، وتفعيلاته هي: “فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن”. هذا الوزن يتناسب مع سياق القصيدة، فالشاعر يريد أن يعبر عن حبه وعشقه للمحبوبة، والبحر الطويل يتميز بامتداد تفعيلاته، فهو مكون من ثماني تفعيلات في البيت، مما يتيح له المجال للتعبير عن حالته بحرية.
أما فيما يتعلق بالإيقاع والموسيقى الداخلية، فيتجلى ذلك في تكرار حرف الراء عدة مرات. هذا الحرف يتميز بصفاته ذات الوقع الموسيقي، فهو حرف ترددي يجبرنا على تكراره. وجوده هنا يدل على التكرار والاستمرار، فالشاعر يريد أن يثبت للمحبوبة استمرار حبه لها، وأنه يتردد في قلبه دائمًا، وأن لسانه لا يتوقف عن ذكرها.
قال طرفة بن العبد في معلقته:
“أَمَرْتُكَ أَمْراً حازِماً فَعَصَيْتَنِي *** فَأَصْبَحْتَ مَسْؤُولاً وَأَصْبَحْتُ لاَئِمَا”
المصادر
- ديوان طرفة بن العبد، صفحة 89.
- هدى أبو دامس (5/7/2021)،”ما هي تفعيلات البحر الطويل”،بيت القصيد.
- منال النجار،القيم الدلالية لأصوات الحروف في العربية عود على بدء، صفحة 2807.
قال تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 224-227].