مقدمة
تعتبر قصة “أبو الهول المحلق” للكاتب محمود تيمور عملًا أدبيًا فريدًا يمزج بين الواقع والخيال، ويعكس تجربة شخصية عميقة. تتناول القصة عدة جوانب إنسانية واجتماعية، من خلال سرد مشوق ولغة أدبية رفيعة. هذا المقال يقدم تحليلاً شاملاً لأهم عناصر القصة وأبعادها الفكرية.
رسالة إلى ولده
في بداية القصة، يستهل محمود تيمور حديثه عن ابنه سليمان، الذي فارق الحياة. يعبر عن عميق حبه وشوقه الدائم إليه، ويصف الألم الذي يعانيه جراء فقدانه. يؤكد تيمور أن هذا الألم لا يضاهيه أي ألم آخر في هذه الدنيا. ومع ذلك، يظهر الجانب الإيماني لديه، مؤكدًا أن هذا قضاء وقدر، وأن الإنسان لا يسعه إلا الرضا بقضاء الله. لكنه في الوقت نفسه يعبر عن رغبته في الرحيل عن هذه الدنيا، ليس بسبب الألم والمعاناة، بل للقاء ابنه، أغلى ما عرفه في حياته.
يقول محمود تيمور في روايته حول شوقه لابنه: “ثمة اتصال دائم بينك وبين هذه النفس السجينة، بيد أنّه اتصال صامت، لا كلمة فيه تُقال، ولا لفظة فيد تُدوَّن، أما اليوم فإنّ هذه النفس شيقة إلى أن تتكلم، وإنّي لتارك لها هذه الأوراق البيض لتخط فيها ما تهفو إلى الإفضاء به إليك”.
تجربة السفر
يتناول الكاتب في هذا الجزء من القصة العنصر الأساسي، وهو بداية رحلته مع زوجته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. بعد انتظار طويل، تمكن من الحصول على تأشيرة السفر، وجاءت الموافقة قبل موعد الرحلة بأربعة أيام فقط، وهو ما اعتبره وقتًا قصيرًا للاستعداد للسفر إلى نيويورك. كان يسابق الزمن لإكمال الأعمال التي لا يمكن تفويضها لغيره.
يواصل المؤلف وصف استعداداته حتى وصوله إلى الولايات المتحدة، وتحديدًا إلى مطار (بين فيلد). بعد الانتهاء من إجراءات الدخول وتفتيش الحقائب، خرج إلى ساحة المطار، حيث فوجئ بوجود تمثال لأبي الهول. استغرب محمود تيمور من وجود رمز الحضارة المصرية في هذا المكان، واعتبره ليس مجرد تمثال جامد، بل طائرًا أسطوريًا عجيبًا.
يقول محمود تيمور حول وصوله للمطار ورؤيته لأبي الهول: “خرجنا إلى ساحة المطار فإذا أبو الهول رابض أمامنا، باسط جناحيه، على أهبة الطيران، كان بسامه التاريخي العتيق وهيكله العصري الحديث كأنما يجتمع بين جلال الماضي التليد ومدينة الحاضر المشرق الزاهية، إنّه رمز حضارتين عظيمتين: حضارة مصر العريقة وحضارة أمريكا الفتية المتوثبة”.
انطباعات عن واشنطن
في هذا القسم، يتحدث الكاتب عن عزمه زيارة واشنطن، ويتوجه إلى محطة بنسلفانيا، التي يصفها بالمتاهة. يصفها بأنها بناء ضخم يتكون من طوابق متعددة، ويعج بالمسافرين من جميع أنحاء العالم. يسود المحطة خليط من الفوضى والضجيج، ولكنها في الوقت نفسه منظمة بشكل مدهش، وتضم العديد من المقاصف والمتاجر.
يتحدث الروائي عن وسائل النقل في المحطة، ويصفها بأنها نظيفة وأنيقة للغاية، ومجهزة بكل وسائل الراحة. يرى أن هذا يعكس التطور والتقدم الذي تتميز به الحياة الأمريكية مقارنة بالدول النامية.
يقول محمود تيمور حول رحلته إلى واشنطن: “إلى واشنجتون على ذلك استقر عزمنا بعد طول تردد وجدال، دخلنا محطة بنسلفانيا العظيمة فكأنما تلقتنا متاهة تترامي أرجاؤها، أو كأنما تلقفنا برج بابل يختلط فيه الحابل بالنابل، محطة بنسلفانيا بناء متراكب الطباق ذو أبهاء رحاب تشرد في أنحائها العيون، وعلى الرغم من ذلك تغص بالأفواج من طلاب السفر”.
دروس مستفادة
تكمن العبرة من “قصة أبو الهول المحلق” في أن ألم الإنسان لفقدان أحبائه، وخاصة الأبناء، هو ألم عظيم لا يضاهيه ألم آخر في هذه الدنيا. كما أن الحياة عبارة عن سلسلة من المحطات والاختبارات، ويجب على الإنسان أن يواجهها جميعًا بالصبر والاجتهاد، وأن يسعى لحل المشكلات والأزمات بالإيمان بالقضاء والقدر، وبالاستعانة بالوسائل المتاحة.
المراجع
- محمود تيمور،أبو الهول يطير، صفحة 1-209. بتصرّف.
- محمود تيمور،أبو الهول يطير، صفحة 4.
- محمود تيمور،أبو الهول يطير، صفحة 18.
- محمود تيمور،أبو الهول يطير، صفحة 209. بتصرّف.