نظرة في عالم البرزخ القرآني

استكشاف مفهوم الحياة الفاصلة (البرزخ) في القرآن الكريم. تعرف على معنى البرزخ، وتفسير الآيات المتعلقة به، وطبيعة هذه الحياة.

الإشارة إلى عالم البرزخ في القرآن

لقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة وجود عالم البرزخ، وهو المرحلة التي تفصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. ويتجلى هذا المفهوم في العديد من الآيات القرآنية، ومنها قول الله تعالى:

(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)

إن هذه الآية الكريمة تقدم لنا صورة واضحة عن حالة الإنسان عند الاحتضار، وتؤكد على وجود حاجز زمني ومكاني بين الدنيا والآخرة، وهو البرزخ.

تكرر لفظ “برزخ” في القرآن الكريم في مواضع أخرى، ولكن في سياقات مختلفة، مثل الحديث عن الحاجز بين البحار العذبة والمالحة، مما يدل على أن للكلمة معنى أوسع من مجرد الحاجز بين الحياة والموت.

ما هو البرزخ؟

قدم الإمام الطبري -رحمه الله- تفسيرات متعددة لمعنى البرزخ، نذكر منها:

  • هو الفترة الزمنية التي تمتد من الموت حتى يوم القيامة والبعث.
  • هو الحاجز الذي يمنع الميت من العودة إلى الحياة الدنيا.
  • هو المرحلة التي تتوسط بين الدنيا والآخرة، وتختلف أحوال الناس فيها بحسب أعمالهم.

يمكننا أن نستنتج من هذه التعريفات أن البرزخ هو عالم قائم بذاته، له خصائصه وقوانينه، وهو جزء من الغيب الذي لا ندركه بحواسنا، ولكن نؤمن بوجوده استنادًا إلى النصوص الشرعية.

تأملات في آية البرزخ

يشرح الإمام السعدي -رحمه الله- في تفسيره لآية البرزخ، أن الله تعالى يخبرنا عن حال الظالمين والمفرطين عندما يحضرهم الموت، حيث يندمون على ما فاتهم من أعمال صالحة، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا لإصلاح ما أفسدوا. ولكن الله تعالى يرد عليهم بقوله: “كَلَّا”، أي لا رجعة ولا إمهال، فقد فات الأوان.

ويوضح السعدي أن طلب الرجوع إلى الدنيا هو مجرد كلام لا يعقده العزم، ولو أُعيدوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه من سوء. ثم يشير إلى قوله تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ)، بمعنى أن أمامهم حاجزًا بين الدنيا والآخرة، حيث ينعم المطيعون ويعذب العاصون إلى يوم القيامة. لذلك، يجب على كل إنسان أن يستعد لهذه المرحلة أتم الاستعداد.

كيف هي الحياة في البرزخ؟

تبدأ الحياة في البرزخ بقبض الروح والصعود بها، وما يتبع ذلك من أهوال القبر، مثل ضمة القبر وسؤال الملكين. ويتحدد مصير المرء في البرزخ بناءً على إجابته على سؤال الملكين، فإذا كان من الصالحين فُسح له في قبره، وإذا كان من الطالحين ضُيق عليه.

بعد ذلك، يُعرض على الميت مقعده في الجنة ومقعده في النار، فيفرح الصالح ويحزن الطالح. وقد ورد ذلك في قول الله تعالى:

(وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ* النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: إن أرواح آل فرعون تُعرض على النار صباحًا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار. ويعتبر هذه الآية دليلًا كبيرًا على عذاب القبر في البرزخ.

وينقل البغوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن أرواح آل فرعون تكون في أجواف طيور سود، تُعرض على النار كل يوم مرتين، ويقال لهم: يا آل فرعون، هذه منازلكم حتى تقوم الساعة. ويكمل عن الكلبي وغيره فيقول: تُعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيًا ما دامت الدنيا.

إذًا، يوسع في الحياة البرزخية للمؤمن قبره ويرى مقعده من الجنة، فيكون في أسعد أحواله، ويتمنى اقتراب الساعة. أما الكافر فيضيق عليه قبره ويرى مقعده من النار وهو يرجو ويدعو: رب لا تقم الساعة.

المصادر

  • سورة المؤمنون، آية: 99-101
  • محمد الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، صفحة 71.
  • القرآن الكريم، تفسير السعدي، آية 100، المصحف الإلكتروني جامعة الملك سعود.
  • الحياة البرزخية، إسلام ويب، 24/9/2001.
  • سورة غافر، آية: 45-46
  • تفسير ابن كثير سورة غافر46، المصحف الالكتروني جامعة الملك سعود.
  • تفسير البغوي سورة غافر46، المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.
Total
0
Shares
المقال السابق

نمط حياة الإنسان قبل ابتكار الزراعة

المقال التالي

حياة النبي في يثرب: تأسيس الدولة والمجتمع

مقالات مشابهة