جدول المحتويات
لمحة عن الخيزران بنت عطاء
تعتبر الخيزران بنت عطاء شخصية تاريخية هامة ومثيرة للاهتمام، خاصة وأنها عاشت في العصر العباسي الزاهر. فيما يلي، سنستعرض جوانب مختلفة من حياتها.
اسمها الكامل هو الخيزران بنت عطاء. تاريخ ميلادها غير معروف على وجه الدقة. أما مكان الميلاد فهو اليمن، حيث تنحدر أصولها. اشتهرت بكونها زوجة خليفة وأم لخليفتين. توفيت عام 173 هـ / 789 م لأسباب طبيعية.
أصول ونشأة الخيزران بنت عطاء
نشأت الخيزران كجارية تم جلبها من اليمن. كانت تنتمي إلى منطقة جرش، وهي جزء من اليمن. كان تجار الرقيق يهتمون بتعليم وتثقيف الجواري لزيادة قيمتهن، حيث كانوا يعلمونهن الشعر والأدب، وعلوم الشريعة، والحديث الشريف، والغناء، والرقص، وحتى العزف على الآلات الموسيقية. كانت الخيزران من بين هؤلاء الجواري اللاتي امتلكن موهبة الشعر والأدب، بالإضافة إلى علم واسع بتاريخ العرب والرسل والملوك، وحفظ الكثير من عادات وتقاليد العرب منذ الجاهلية وحتى بعد الإسلام.
ملامح شخصية الخيزران
على الرغم من أن الكتب لم تتوسع كثيرًا في وصف شخصية الخيزران، إلا أن المؤرخين ذكروا بعض الجوانب المتفرقة التي يمكن من خلالها تكوين صورة واضحة عنها. ذكر بعضهم أنها كانت نحيلة القوام، ذات قامة معتدلة، وجميلة الوجه. كما تميزت بذكائها وفطنتها، وهو ما تجلى في تعاملاتها مع الخليفة المهدي وحاشيته. كانت كلمتها مسموعة ولها تأثير كبير، وكانت قادرة على تحقيق ما تريد بحنكة سياسية وحسن تدبير، وليس بالإكراه أو استغلال المنصب.
اقتران الخيزران بالخليفة المهدي
بعد أسرها في اليمن، انتقلت الخيزران مع مالكها إلى بغداد، عاصمة الخلافة العباسية. وبينما كانت هناك، رآها الخليفة المهدي، والد هارون الرشيد، وأعجب بها. إلا أنه لاحظ نحافة ساقيها، وهو ما لم يرق له في البداية. ولكن بفضل فصاحتها وحسن منطقها، تمكنت من إقناعه بأن ذلك لا يشكل عيبًا. فأمر بشرائها وأخذها إلى القصر، حيث أعتقها وتزوجها لتصبح زوجة حرة لا أمة.
بعد الزواج، أصبحت الخيزران من أقرب النساء إلى الخليفة المهدي، وولدت له هارون الرشيد، الخليفة العباسي الشهير، وموسى الهادي. بعد ولادة ابنيها، ازدادت مكانتها لدى الخليفة، وأصبح لها تأثير كبير في شؤون الخلافة الداخلية، مع الحفاظ على الحدود المتعارف عليها للنساء. وكانت كلمتها في القصر لا تقل أهمية عن كلمة زوجها الخليفة المهدي.
يذكر المؤرخون أنه لم تلد أمة خليفتين في التاريخ سوى ثلاث سيدات قبلها: ولادة بنت العباس العبسيّة زوجة عبد الملك بن مروان التي ولدت له الوليد وسليمان وكلاهما ولي الخلافة، وكذلك زوجة الوليد بن عبد الملك بن مروان شافهر بنت فيروز بن يزدجرد، وقد ولدت له يزيد وإبراهيم وكلاهما صار خليفة، والثالثة هي الخيزران زوجة المهدي التي ولدت موسى وهارون وصارا خليفتين أيضًا، فكان زوجها المهدي وأبناؤها الهادي وهارون الرشيد خلفاءًا للدولة العباسية، والرابعة هي تركان خاتون زوجة جلال الدولة ملكشاه، فقد ولد له ولدين الأول هو محمد الملقّب بغياث الدنيا والثاني أحمد الملقّب بسنجر، وتولّى الاثنان حكم الدولة السلجوقيّة خلفًا لوالدهم ملكشاه بن ألب أرسلان.
الأثر السياسي للخيزران في الخلافة
تعتبر الخيزران من النساء اللواتي كان لهن دور بارز في عالم السياسة في العصر العباسي، حتى أصبح اسمها مرتبطًا بتلك الحقبة التاريخية. كانت تشبه في ذلك زبيدة زوجة الرشيد وغيرهن من النساء المؤثرات. فيما يلي، سنلخص دورها السياسي خلال العصر العباسي.
تأثير الخيزران في دوائر الحكم
لم تتقلد الخيزران مناصب رسمية في الدولة، ولكنها كانت تتمتع بنفوذ كبير داخل القصر وخارجه. كانت زوجة الخليفة تتمتع بصلاحيات واسعة في إصدار الأوامر والقرارات، وكانت كلمتها مسموعة لدى الجميع. في عهد زوجها محمد المهدي، كانت الخيزران تأمر وتنهي على كل من في القصر، وكانت تستخدم خدمها لتنفيذ ما تريد. كما كانت خزائن الدولة تحت تصرفها، وكانت ترسل الهدايا والعطايا لمن تشاء.
يروى أنها أرسلت هدايا للواقدي عندما كان في مجلس المهدي، وذلك بعد أن خرج من عنده غاضبًا. أدرك الواقدي أن عليه تهدئة غضب الخليفة، فصار يذكره بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النساء، وأن الرجل العاقل يجب أن يتصرف معهن على نحو ما أمرت به الشريعة، فسكن بذلك غضب الخليفة ووصل الواقدي بألفي دينار، وعند عودته لبيته جاءه رسول الخيزران ليعطيه ثياب وألفي دينار كذلك.
كانت الخيزران تقضي حوائج الناس دون الرجوع إلى الخليفة المهدي، وكانت تستقبل الهدايا الكبيرة. يذكر أن أحد الأشخاص أرسل لها هدايا قيمة لتزكيته عند الخليفة، فأرسل لها مئة وصيف يحمل كل واحد منهم جامًا من الذهب مملوءًا بالمسك. فردت عليه بقولها: “إن كان ما بعثتَ به إليَّ من هديَّتك ثمنًا لرأي فيك فقد بخستَني القيمة، وإن كان استزادةً فقد استغششتَني في المودَّة”، وردّت عليه هديّته.
التباين مع ابنها الهادي
تضاربت الروايات حول علاقة الخيزران بابنها الهادي. بعض الروايات تؤكد وجود خلافات بينهما، بينما ينفي البعض الآخر ذلك تمامًا. قيل إن الخيزران كانت تتمتع بمكانة خاصة لدى المهدي، وعندما تولى الهادي الخلافة، استمرت في التدخل في شؤون الحكم، واستقبال الوفود، وإصدار الأوامر، وهو ما أثار غضب الهادي. وذكرت بعض الروايات أنها دست له السم في الطعام انتقامًا منه،
وقيل بل غضبت منه لمّا أراد خلع أخيه هارون عن ولاية العهد وقتله، وكان المهدي قد عقد ولاية العهد لابنيه من بعده، فأرسلت له جواري قتلنَه وهو في مرضه الأخير.
بينما يرى آخرون أنه لم يكن هناك أي خلاف بينهما، وأن الهادي كان يكن لها كل الاحترام والتقدير، وأن وفاته كانت بسبب قرحة أصابته. وقد صلى عليه أخوه هارون وتولى الخلافة من بعده. وقد كانت منزلة الخيزران عنده مثل منزلتها عند المهدي بل وأكثر من ذلك؛ كونها كانت والدته وحقّها عليه ليس كحق الزوجة على زوجها.
مساهمة الخيزران في تسيير الدولة
كان للخيزران دور هام في قصر الحكم في عهد المهدي، ثم في عهد ابنيها الهادي وهارون. كانت تتصرف في شؤون القصر، وترسل الهبات والعطايا للناس، وتكافئ المحسن، وتعاقب المذنب. وكان الناس يسعون لكسب ودها للتوسط لهم لدى الخليفة. وقد ذكر المؤرخون أن بعض الأشخاص كانوا يرسلون لها الهدايا لتزكيتهم عند الخليفة، كما حدث مع صاحب المئة وصيف الذين يحملون جام الذهب.
وفاة الخيزران
توفيت الخيزران في عهد خلافة ابنها هارون الرشيد. لم تذكر المصادر سببًا لوفاتها، مما يرجح أنها كانت وفاة طبيعية. وقد حمل ابنها الخليفة هارون الرشيد نعشها، وكان يمشي حافيًا حتى وصل إلى مقابر قريش، ثم غسل قدميه من الطين وصلى عليها ونزل في القبر ودفنها بنفسه.
نماذج من شعر الخيزران
كانت الخيزران تتمتع بعلم وفقه وأدب، وكانت قادرة على قول الشعر في بعض المناسبات. ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن الخيزران سافرت ذات عام للحج، فاشتاق لها زوجها المهدي وكتب لها:
نَحْنُ فِي غَايَةِ السُّرُورِ وَلَكِن
لَيْسَ إِلَّا بِكُمْ يَتِمُّ السُّرُورُ
عَيْبُ مَا نَحْنُ فِيهِ يَا أَهْلَ وُدِّي
أَنَّكُمْ غُيَّبٌ وَنَحْنُ حُضُورُ
فَأَجِدُّوا فِي السَّيْرِ بَلْ إِنْ قَدَرْتُمْ
أَنْ تَطِيرُوا مَعَ الرِّيَاحِ فَطِيرُوا
فكتبت له الخيزران تقول:
قَدْ أَتَانَا الَّذِي وَصَفْتَ مِنَ الشَّوْقِ فَكَدِنْا وَمَا فَعَلْنَا نَطِيرُ
لَيْتَ أَنَّ الرِّيَاحَ كُنَّ يُؤَدِّيــنَ إِلَيْكُمْ مَا قَدْ يُجِنُّ الضَّمِيرُ
لَمْ أَزَلْ صَبَّةً فَإِنْ كُنْتَ بَعْدِي فِي سُرُورٍ فَدَامَ ذَاكَ السُّرُورُ
آراء المؤرخين حول الخيزران
لم يذكر الكثير عن الخيزران في كتب التاريخ، ولكن بعض المؤرخين ذكروا بعضًا من مناقبها، ومنهم:
- الزركلي: قال خير الدين الزركلي عن الخيزران: “الخيزران، زوجة المهديّ العباسي، وأمّ ابنيه الهادي وهارون الرشيد: ملكة حازمة متفقهة، يمانية الأصل، أخذت الفقه عن الإمام الأوزاعي”.
- سبط ابن الجوزي: قال عنها: “كانت الخَيزُران عاقلةً لبيبة، صالحةً متصدقة، وغلَّتها في كلِّ سنةٍ ستةُ آلافِ ألفٍ وستَّون ألفَ ألفِ درهم، فكانت تُنفقها في الصدقات وأبوابِ البِرّ”.
- ابن كثير الدمشقي: قال عنها في البداية والنهاية: “اشْتَرَتِ الدَّارَ الْمَشْهُورَةَ بِهَا بِمَكَّةَ الْمَعْرُوفَةَ بِدَارِ الْخَيْزُرَانِ، فَزَادَتْهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ”.
المراجع
- ابن العِماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 330، جزء 2.
- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد وذيوله، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 431، جزء 14.
- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 346، جزء 8.
- ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، القاهرة: دار هجر للطباعة والنشر، صفحة 571، جزء 13.
- شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 443، جزء 7.
- ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، بيروت: دار التراث، صفحة 238، جزء 8.
- سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دمشق: دار الرسالة العالمية، صفحة 441، جزء 12.
- خير الدين الزركلي، الأعلام، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 328، جزء 2.
