مقدمة عن الحاشية
تعتبر حاشية ابن عابدين من أهم المؤلفات في الفقه الحنفي، وهي بمثابة موسوعة فقهية شاملة تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان -رحمه الله-. تُعرف الحاشية باسم (حاشية رد المحتار على الدر المختار)، وقد اكتسبت شهرة واسعة باسم حاشية ابن عابدين.
كتاب (الدر المختار)، الذي تعتبر هذه الحاشية شرحاً له، هو من تأليف العلامة علاء الدين الحصفكي. وقد قام فيه بشرح كتاب (تنوير الأبصار) للشيخ شمس الدين التمرتاشي الغزي الحنفي.
هذه الكتب الثلاثة (تنوير الأبصار، الدر المختار، وحاشية ابن عابدين) تمثل ركائز أساسية في الفقه الحنفي. كتاب “تنوير الأبصار” واسمه الكامل “تنوير الأبصار وجامع البحار” وصفه المحبي بأنه: “هو متن في الفقه جليل المقدار جم الفائدة دقق في مسائله كل التدقيق”.
أما بالنسبة لكتاب (الدر المختار شرح تنوير الأبصار)، فقد بدأ مؤلفه -رحمه الله- في شرح كتاب (تنوير الأبصار) في مؤلف أسماه “خزائن الأسرار وبدائع الأفكار في شرح تنوير الأبصار وجامع البحار”. بعد الانتهاء من تبييض الجزء الأول، قدره في عشر مجلدات كبيرة.
لكنه تراجع عن إكماله وقام بتأليف شرح مختصر بعنوان “الدر المختار في شرح تنوير الأبصار”. وقد وصفه ابن عابدين بأنه: “وهو الحريّ بأن يُطلب، ويكون إليه المذهب، فإنه الطراز الُمذهب في المذهب”.
أسلوب ابن عابدين في الحاشية
تميز ابن عابدين -رحمه الله- بمنهج فريد في حاشيته، يتسم بما يلي:
- الاعتماد على مصادر متعددة من كتب المحققين والعلماء المعتمدين في المذهب الحنفي، مع الإشارة إلى هذه المصادر وتوثيقها بدقة.
- التحرر من التعصب والجمود، والبعد عن الإسهاب الممل أو الاختصار المخل.
- المقارنة بين ما ورد في الدر المختار وبين المصادر الأصلية التي استقى منها، مع توضيح مدى التطابق والاختلاف بينهما.
- تحرير أقوال العلماء في المسائل الفقهية المختلفة، وإضافة توضيحات وشروح لما يحتاج إلى ذلك.
- التنبيه على أي قصور في العبارات أو عدم شمولها للمراد من المسألة.
لمحة عن حياة ابن عابدين
هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين، المعروف بابن عابدين الحسيني. كان أحيانًا يلقب نفسه محمد بن عابدين الماتريدي.
تعود شهرة الأسرة باسم “عابدين” إلى جده الخامس محمد صلاح الدين، الذي عُرف بصلاحه وتقواه وعبادته الكثيرة، وهو ما انعكس على تسمية ذريته من بعده.
ولد ابن عابدين في دمشق عام (1198) هجرية الموافق (1784) ميلادية، وترعرع في كنف والده السيد عمر عابدين، الذي كان من أهل العلم والصلاح. وقد اشتهر أجداده بالورع والتقوى والاشتغال بالتجارة.
تلقى العلم على يد كبار علماء دمشق في عصره، حتى نبغ وتفوق وتمكن من العلوم الشرعية. اشتغل بالتأليف والتدريس والإفتاء، وأصبح مرجعاً للفتوى ومقصداً للعلماء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
توفي -رحمه الله- يوم الأربعاء الموافق الحادي والعشرين من ربيع الثاني سنة (1252) هجرية، ودُفن في دمشق، وقد شُيِّع بجنازة مهيبة لم يشهد مثلها في ذلك الزمان.
المصادر
- أبالبركوي، ذخر المتأهلين والنساء، صفحة 462. بتصرّف.
- أبتالخطيب التمرتاشي، بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود، صفحة 40-41. بتصرّف.
- علي الطنطاوي ، فصول في الثقافة والأدب، صفحة 270-271. بتصرّف.
- أبتثجالبركوي، ذخر المتأهلين والنساء، صفحة 47-60. بتصرّف.