نظرة في بيت شعري منسوب لابن القيم

تحليل لقصيدة منسوبة لابن القيم الجوزية تتضمن شطراً شعرياً مشهوراً. نبذة عن حياة ابن القيم ومقتطفات من أشعاره الأخرى.

تمهيد

تنتشر بين الناس مقولة تُنسب لابن القيم الجوزية، وهي شطر بيت شعري يحمل معنى عميقاً. هذا الشطر، الذي غالباً ما يُستخدم في سياقات مختلفة، يستحق التوقف عنده والتأمل في معناه. سنتناول في هذا المقال هذا الشطر الشعري المنسوب لابن القيم مع نبذة عن حياة هذا العالم الجليل، وعرض لبعض من قصائده الأخرى.

تحليل للشطر الشعري

الشطر الشعري المتداول هو: “فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم”. هذا البيت، بحسب ما هو منسوب لابن القيم، يحمل تحذيراً شديد اللهجة. فالجهل بأمر ما يعتبر مصيبة، لكن العلم به مع عدم العمل بمقتضاه أو تجاهله، يعتبر مصيبة أكبر. هذا يعكس قيمة المعرفة وأهمية العمل بها في الإسلام. فالإسلام يحث على طلب العلم النافع الذي يقود إلى العمل الصالح.

لمحة عن حياة ابن القيم الجوزية

ابن القيم الجوزية، واسمه الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، هو أحد أبرز علماء المسلمين في القرن الثامن الهجري. ولد رحمه الله في دمشق عام 691 هـ (1292 م) وعُرف بغزارة علمه وسعة اطلاعه. يعتبر ابن القيم من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث لازمه لمدة طويلة وتأثر به تأثراً كبيراً.

تلقى ابن القيم تعليمه في دمشق، وبرع في مختلف العلوم الشرعية واللغوية. كان له إسهامات كبيرة في الفقه وأصوله، والتفسير والحديث، والعقيدة، والتصوف، والأدب. تميز بأسلوبه الفريد في الكتابة، حيث جمع بين العمق العلمي والبيان الأدبي. وقد عانى ابن القيم في حياته بسبب مواقفه وآرائه، حيث سُجن مع شيخه ابن تيمية في قلعة دمشق حتى وفاة ابن تيمية، ثم أفرج عنه سنة 728 هـ.

ترك ابن القيم رحمه الله تراثاً علمياً ضخماً، يشمل العديد من المؤلفات القيمة التي لا تزال مرجعاً للعلماء والباحثين حتى اليوم. من أبرز مؤلفاته: “إعلام الموقعين عن رب العالمين”، و “زاد المعاد في هدي خير العباد”، و “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”، و “مفتاح دار السعادة”.

توفي ابن القيم رحمه الله في عام 751 هـ (1349 م) في دمشق، وصُلي عليه في الجامع الأموي، ودُفن في مقبرة الباب الصغير بجوار والدته.

أجزاء من القصيدة

القصيدة التي ورد فيها البيت المذكور تتضمن معاني عظيمة، وهي تعبر عن شوق الروح إلى لقاء الله والجنة. إليكم بعض الأبيات من هذه القصيدة:

وَصُمْ يَوْمَكَ الأَدْنَى لَعَلَّكَ فِي غَدِ
تَفُوزُ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَالنَّاسُ صُوَّمُ
وَأَقْدِمْ وَلا تَقْنَعْ بِعَيْشٍ مُنَغَّصٍ
فَمَا فَازَ بِاللَّذَّاتِ مَنْ لَيْسَ يُقْدِمُ
وَإِنْ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا
وَلَمْ يَكُ فِيهَا مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ
فَحِيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا
مَنَازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى
نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا نَأَى
وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ فَهُوَ مُغْرَمُ
وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي
لَهَا أَضْحَتِ الأَعْدَاءُ فِينَا تُحَكِّمُ
حِيَّ عَلَى السُّوقِ الَّذِي فِيهِ يَلْتَقِي
الْمُحِبُّونَ ذَاكَ السُّوقُ لِلْقَوْمِ يُعْلَمُ
فَمَا شِئْتَ خُذْ مِنْهُ بِلا ثَمَنٍ لَهُ
فَقَدْ أَسْلَفَ التُّجَّارُ فِيهِ وَأَسْلَمُوا
حِيَّ عَلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ الَّذِي بِهِ
زِيَارَةُ رَبِّ الْعَرْشِ فَالْيَوْمَ مَوْسِمُ
حِيَّ عَلَى وَادٍ هُنَالِكَ أَفْيَحٍ
وَتُرْبَتُهُ مِنْ أَذْفَرِ الْمِسْكِ أَعْظَمُ
مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ هُنَاكَ وَفِضَّةٍ
وَمِنْ خَالِصِ الْعِقْيَانِ لا تَتَقَصَّمُ
وَكَثْبَانُ مِسْكٍ قَدْ جُعِلْنَ مَقَاعِدًا
لِمَنْ دُونَ أَصْحَابِ الْمَنَابِرِ يُعْلَمُ
فَبَيْنَا هُمُو فِي عَيْشِهِمْ وَسُرُورِهِمْ
وَأَرْزَاقُهُمْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ وَتُقْسَمُ
إِذَا هُمْ بِنُورٍ سَاطِعٍ أَشْرَقَتْ لَهُ
بِأَقْطَارِهَا الْجَنَّاتُ لا يُتَوَهَّمُ
تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ جَهْرَةً
فَيَضْحَكُ فَوْقَ الْعَرْشِ ثُمَّ يُكَلِّمُ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ يَسْمَعُونَ جَمِيعُهُمْ
بِآذَانِهِمْ تَسْلِيمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ
يَقُولُ سَلُونِي مَا اشْتَهَيْتُمْ فَكُلُّ مَا
تُرِيدُونَ عِنْدِي أَنَّنِي أَنَا أَرْحَمُ
فَقَالُوا جَمِيعًا نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَا
فَأَنْتَ الَّذِي تَوَلَّى الْجَمِيلَ وَتَرْحَمُ
فَيُعْطِيهُمُو هَذَا وَيَشْهَدُ جَمْعُهُمْ
عَلَيْهِ تَعَالَى اللَّهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ
فَيَا بَائِعًا هَذَا بِبُخْسٍ مُعَجَّلٍ
كَأَنَّكَ لا تَدْرِي ؛ بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ
فَإِنْ كُنْتَ لا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ
وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ

نماذج من أشعار أخرى لابن القيم

لابن القيم الجوزية العديد من القصائد التي تعبر عن حبه لله ورسوله، وتزخر بالحكم والمواعظ. إليكم بعض الأبيات من إحدى قصائده:

حُكمُ المَحَبَّةِ ثَابتُ الأركَانِ
مَا للصُّدُودِ بِفَسخِ ذَاكَ يَدَانِ
أنَّي وَقَاضِي الحُسنِ نفَّذ حُكمَهَا
فَلِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ الخَصمانِ
وَأتَت شُهُودُ الوَصلِ تَشهَدُ أنه
حَقًّا جَرَى في مَجلسِ الإِحسانِ
فتأكَّدَ الحُكمُ العزيزُ فَلَم تَجِد
فَسخُ الوُشَاةِ إلَيهِ مِن سُلطَانِ
وَلأجلِ ذَا حُكمُ العَذُولِ تَدَاعت
الأركانُ مِنهُ فَخَرَّ للأذقَانِ
وأتى الوُشاةُ فَصَادَفُوا الحُكمَ الذِي
حَكَمُوا به مُتَيَقَّنَ البُطلانِ
ما صَادَفَ الحُكمُ المَحَلَّ وَلا هُوَ
استَوفَى الشُروطَ فَصَارَ ذا بُطلاَن
فَلِذَاكَ قَاضِي الحُسنِ أَثبَتَ مَحضَراً
بِفسَادِ حُكمِ الهَجرِ والسُّلوانِ
وَحكَى لَكَ الحُكمَ المُحالَ وَنَقضَهُ
فاسمع إذاً يا مَن لَهُ أُذُنَانِ
حُكمُ الوُشَاةِ بِغيرِ مَا بُرهَانِ
إنَّ المحبَّةَ والصُدُودَ لِدَانِ
وَاللهِ ما هذَا بِحُكمٍ مُقسِطٍ
أينَ الغَرامُ وصَدُّ ذِي هِجرَان
أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَه
وَلبُّوا لهُ عندَ المَهَلِّ وَأحْرَمُوا
وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًالِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ
يُهلُّونَ بالبيداءِ لبيك ربَّنالكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ
دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةًفلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ
ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْوغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ
وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةًولم يُثنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ
يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِهارِجالا ورُكْبانا ولله أسْلمُوا
ولمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذيقلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ
كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلهُلأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنهمُ
فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهْرَاقةٍوأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ
وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُحِبِّ بدَمْعِهافينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ
إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُهاوزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ
ولا يَعْرِفُ الطرْفُ المُعايِنُ حسْنَهُإلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ

Total
0
Shares
المقال السابق

الدنيا متاع وغرور: نظرة في حديث نبوي

المقال التالي

إن كنت تجهل فذاك بلاء

مقالات مشابهة